للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذهب الراجح

٣٤- تبين لنا أن للعلماء في وجوب الوفاء بالوعد ثلاثة مذاهب: مذهب الجمهور الذي يرى استحباب الوفاء بالوعد، ومذهب ابن شبرمة وموافقيه في وجوب الوفاء بالوعد مطلقا إلا لعذر، ومذهب المالكية على التفصيل الذي ذكرناه.

والذي يظهر لي راجحا من المذاهب الثلاثة هو مذهب الجمهور، فالوفاء بالوعد مستحب ويكره للواعد الإخلاف في وعده كراهة شديدة فليس الوفاء بالوعد واجبًا يقضى به على الواعد؛ وذلك لأمرين:

الأول – أن الوعد كما عرفه الفقهاء: إخبار عن إنشاء خير في المستقبل فهو بهذا الاعتبار محض تبرع، والمتبرع ليس ملزما بالوفاء بتبرعه في المستقبل إذ له الرجوع عنه.

الثاني – لو أقمنا الوعد مقام العقد في حكمه فإن الوعد على رأي كل الفقهاء يرد على عقود التبرعات، وعقود التبرعات ذاتها غير لازمة قبل قبض محل العقد فيجوز فسخها، فجواز فسخ الوعد بها أولى فلا يمكن القول بلزوم الوعد فيها.

وإذا كان فقهاء المذهب المالكي بناء على ما ذكر عن إمامهم مالك رحمه الله يرون أن من ألزم نفسه معروفا لزمه ما لم يمت أو يفلس، إلا أنهم قالوا (١) :

واعلم أن الالتزام إذا لم يكن على وجه المعاوضة فلا يتم إلا بالحيازة ويبطل بالموت والفلس كما في سائر التبرعات.

فتحصل من كل ذلك أن القول بوجوب الوفاء بالوعد مطلقًا أو على التفصيل كما يرى المالكية يكون مذهبا مرجوحًا والله أعلم.


(١) فتح العلي المالك ١/٢١١

<<  <  ج: ص:  >  >>