للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(جـ) الوعد

٨- الوعد في اللغة معناه: الإخبار عن فعل أمر في المستقبل، سواء أكان خيرًا أم شرًّا. بخلاف الوعيد، فإنه لا يكون إلا بشر. وقيل: الوعد والوعيد واحد (١) .

٩- ويستعمل الفقهاء كلمة " الوعد " بنفس مدلولها اللغوي، بمعنى أن الوعد قد يكون بمعروف، كقرض أو تمليك عين أو منفعة مجانًا للموعود، وقد يكون بصلة أو برٍّ أو مؤانسة كعيادة مريض وزيارة صديق وصلة رحم ومرافقة في سفر ومجاورة في سكن، وقد يكون بنكاح، كما في خِطْبَةِ النساء، وقد يكون بمعصية كما إذا وعد شخصا بأن يقتل له خصمه أو غريمه أو يتلف ماله ظلما وعدوانا ونحو ذلك.

١٠- أما الحكم التكليفي للوعد من حيث الوفاء به: فهو محل خلاف بين الفقهاء، وإذا أردنا تحرير محل النزاع في المسألة فلابد من البيان والتفصيل الآتي:

* فإذا كان الوعد بمعروف (وهو ما يسمى عند المالكية بالعدة) أو كان من قبيل المواعدة، فقد سبق عرض آراء الفقهاء فيه على الخصوص.

* أما ما عدا ذلك من ضروب الوعد وصوره وحالاته، فإنه لا خلاف بين الفقهاء:

(أ) في أن من وعد بشيء منهي عنه، فلا يجوز له الوفاء بوعده، بل يجب عليه إخلافه (٢) .

قال ابن حزم: " من وعد بما لا يحل أو عاهد على معصية، فلا يحل له الوفاء بشيء من ذلك، كمن وعد بزنا أو بخمر أو بما يشبه ذلك، فصح أن ليس كل من وعد فأخلف أو عاهد فغدر مذمومًا ولا ملوما ولا عاصيًا، بل قد يكون مطيعًا مؤدي فرضٍ (٣) .

(ب) وأن من وعد بشيء واجب شرعا، كأداء حق ثابتٍ أو فعل أمر لازم، فإنه يجب عليه إنجاز ذلك الوعد (٤) .

(جـ) وأن من وعد بشيء مباح أو مندوب إليه فينبغي له أن يفي بوعده، حيث إن الوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق وخصال الإيمان، وقد أثنى المولى جل وعلا على من صدق وعده وكفى به مدحا، وبما خالفه ذمًّا.

ولكن هل الوفاء بذلك واجب أم مستحب أم غير ذلك؟ اختلف الفقهاء في ذلك على خمسة أقوال:

(أحدها) أن الوفاء بالوعد واجب (٥) . قال القاضي أبو بكر ابن العربي: " أجل من ذهب إلى هذا المذهب عمر بن عبد العزيز " (٦) .


(١) معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٦/١٢٥، بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي ٥/٢٣٧، مشارق الأنوار للقاضي عياض ٢/٢٩١
(٢) الأذكار للنووي مع شرحه الفتوحات الربانية ٦/ ٢٥٨، أحكام القرآن للجصاص ٣/ ٤٤٢
(٣) المحلى ٨ / ٢٩
(٤) المحلى ٨/٢٩
(٥) انظر أحكام القرآن لابن العربي ١٨٠٠/٤، الأذكار للنووي مع شرحه لابن علان٦/٢٦٠
(٦) الأذكار (مع شرحه الفتوحات الربانية) ٦/٢٦٠، المبدع في شرح المقنع ٩/ ٣٤٥ فتح الباري ٥/٢٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>