للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعلوم لدينا جمعيا أن هنالك بالنسبة لموضوع البحث وعدًا وعهدًا وعقدًا، وأن هنالك ما يقابل هذه المسميات الثلاثة: حق المروءة وحق الديانة وحق القضاء، فأما حق المروءة فيقابل دائما الوعد وهو مجرد أن يعد الإنسان إنسانا آخرا بأمر ولا يكلف نفسه عهدا ولا عقدا ولا التزاما ولا ينبني على الإخلاف بذلك ضرر مادي، فحق المروءة كما تفضل الإخوة أخلاقيا أن يفي وإذا لم يف يكون تاركا للفضيلة وتاركا للأحسن والأكرم والأمثل، لكن هناك حق الشرع، وحق الشرع أمران اثنان: حق الديانة وحق القضاء. وهذان الاصطلاحان معروفان لدينا جميعا كطلاب علم. فحق الديانة شيء وحق القضاء شيء آخر، حق الديانة قد يكون الشيء حراما ديانة ولكنه قضاء جائز، وقد يكون حلالًا ديانة وقضاء بالعكس كما مثلوا لذلك من ادعى بشهادي زور أن فلانة امرأته ولم يعلم القاضي بالزور ولا بالشهادين، فهذا قضاء هي زوجته أما ديانة فهو زنا وهو حرام لكن لو ادعت المرأة أو ادعى هو أن تأتي إلى بيت الزوجية وجب قضاء على القاضي أن يقضي بذلك. فالعهد هو ما تشدد الواعد فيه بالالتزام سواء انبنى على ذلك ضرر أم لم يبن. فهذا التشدد يجعل الوعد عهدا. قال تعالى {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٤] ولم يفصل القرآن الكريم المسئولية في الدنيا أم في الآخرة، فهذا يقتضي الإطلاق، هناك مسئولية، فالمسئولية بالإخلاف هي مسئولية ديانية وليست من حق المروءة هي من حق الشرع فهو مكلف شرعا أن يفي لأنه التزم بذلك وتعهد به وقوى ذلك بشرط أو بنذر أو بشيء آخر، ولكنه قضاء لا يلزمه أن يفي بهذا الوعد، فلو أن من وعد أو من عوهد بالعهد ولنصطلح على هذه الكلمة رفع الأمر إلى القاضي، فالقاضي لا يلزمه بالوفاء ولكن هناك عهدا أرتقى إلى درجة العقد أو ما يشبه العقد وهو ما يسمى لدى علماء القانون بالالتزام فالالتزام أشمل من العقد وإن سماه القرآن عقدا، ولذلك قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} حينئذ قوى العهد إلى درجة صار التزاما. وآية ذلك أنه ينبني على الإخلاف به ضرر فادح بالمعاهد أو بالملتزم له في أمر دينه ودنياه.

ولذلك أرى حينئذ – والله تبارك وتعالى أعلم والرأي يعود إلى مجمعنا الموقر أن ترتفع المسئولية إلى القضاء والديانة معا فيصير الملتزم حينئذ مؤاخذًا ومسئولا قضاء وديانة، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>