للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي دعا إلى الدوران حول هذه القضية، قضية الوعد كما قلنه هو ربطها بقضية بيع المرابحة للآمر بالشراء، وفي رأيي أن القضية يجب أن ننظر في حلها نظرا آخر غير هذا التلفيق الذي نربطه بين عقد المعاوضة " البيع " والعقد من جهة واحدة " العقد المنفرد" وهو الواعد إن صح أنه عقد، هذا التلفيق أرى أننا لا نصل في الدوران حوله إلى نتيجة، فالمقررات الفقهية واضحة، المذاهب كلها لا تقول بوجوب الوعد، والمذهب المالكي الذي يقول بالوفاء بالعهد يقصره على المعروف ويبعده عن المعاوضات المالية ولا نجد في ذلك حلا لقضيتنا، فنحن أمام عقد معاوضة واضح ورئيسي وهو عقد البيع للآمر بالشراء، والمشكلة منشؤها أن البيع للآمر بالشراء بيع لسلعة قائمة، فالتعاقد على معدوم غير حاضر، والحديث النبوي الشريف نهى عن بيع المعدوم أو عن بيع غير الحاضر فكيف نحل هذه المشكلة؟ هذا هو بيت القصيد.

في رأيي أن الوفاء بالوعد وربط القضية به والتلفيق بينه وبين عقد البيع لا يحل القضية كما ذكرت، وإنما يجب أن ننظر في فقه هذا الحديث، النهي عن بيع الغائب أو عن بيع المعدوم، كيف نحل القضية؟ هل السلعة المصنعة المحددة المواصفات المعلومة المنضبطة الوصف غير الحاضر في مجلس العقد بيعها يعتبر معدوما؟ كل أو أغلب السلع تباع وهي غير معاينة وإنما هي قائمة ولكنها معلومة بأوصافها لدى المتبايعين، فهل ينطبق عليها هذا الحديث؟ وبيع المرابحة يجرى في هذا النوع من السلع فهل فهمنا للحديث يدخل هذا النوع من السلع في بيع الغائب؟ أعتقد أننا يجب أن ننظر للموضوع من هذه الناحية يجب أن نوسع فهمنا للحديث على ضوء المعطيات الحاضرة، هل السلع بأنواعها المختلفة ذات المواصفات المحددة والموديلات المعينة الغائبة التي في مصانعها أو في أماكن بيعها البعيدة عنا التي يجب استيرادها يعتبر بيعها معدوما، أم أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر في فهم الحديث على ضوء هذه المعطيات؟ إذا استطعنا أن نصل إلى فهم لهذه القضية على ضوء ظروفها نستطيع أن نحل المشكلة دون أن نلجأ إلى الوعد والتلفيق والدوران حول هذه القضية على الوجه الذي سرنا عليه وعهدناه في ندواتنا ومؤتمراتنا، ولعل الإمامين الجليلين ابن القيم وابن تيمية لهما نظرات صائبة في هذا المجال تحدثا فيها عن هذا المعنى بيع المعدود وبيع الموصوف، وإذا رجعنا إلى هذه الآراء القيمة استفدنا منها وحاولنا أن نستفيد منها في فهمنا وإدراكنا لقضايانا الحاضرة لعلنا نصل إلى حل يريحنا من هذا الدوران الطويل حول قضية الوعد الملزم أو غير الملزم. شكرا جزيلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>