وإن وقوع مثل هذه المحاذير أمر ممكن عمليًّا ولا يمكن التغاضي عن مصالح الناس بحجة أن الوعد في الإسلام ملزم ديانةً وليس ملزمًا قضاء مع أن أمر الله واضح بالوفاء بالعهود وكذلك وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للإخلاف في الوعد بأنه أحد آيات النفاق، فقد ورد في الحديث الصحيح المتفق عليه من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) .
وفي رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو حيث جاء فيها ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر))
وإذا كان الوفاء بالوعد هو من مكارم الأخلاق , فماذا يمنع أن تكون هذه المكارم مؤيدة بالزواجر القانونية التي تمنع الإخلال بهذا البنيان المتكامل؟
ولعل أبلغ رد حول مسألة الإلزام بالوعد فيما يدخل أحد طرفي المواعدة في كلفة أو يعرضه للضرر فيما لو لم يتم تنفيذ المواعدة: هو ما نقله الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي عن تطور نظرة الفقه الحنفي في مسألة عقد الاستصناع.
فقد ولد هذا العقد في الأصل تحت مظلة الاعتراض عليه من الأساس باعتباره بيعًا لمعدوم ولكن أجيز التعامل به عند الحنفية استحسانًا نظرًا لتعامل الناس به وعموم الحاجة إليه.
ولكن اختلف شيوخ الفقه الحنفي في تكييف عقد الاستصناع من حيث اعتباره مواعدة أم مبايعة، كما اختلف النظر كذلك في مسألة الخيار للمستصنع إذا رأي الشيء المتفق على صنعه حيث بدأت المسألة بتقرير الخيار طالما أن المشتري قد اشترى ما لم ير، وهذا هو المفتى به عن قول أبي حنيفة ومحمد.
وذهب أبو يوسف إلى أنه لا خيار لأي من الصانع والمستصنع، أما الصانع، فلأنه بائع باع ما لم يره، وأما المستصنع فلأن الصانع أتلف ماله بتحويله من مادة خام إلى مادة مصنوعة، فلو ثبت الخيار للمستصنع لتضرر الصانع، لأن غيره لا يشتريه بمثله. (١)
(١) انظر – د. يوسف القرضاوي، بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية مرجع سابق، الصفحات ١٠٥- ١٠٦