للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزيادة الثمن للأجل جائزة، وليست ربا محرما كما وهم بعض الناس، وقد دافعت عن ذلك نقلا وعقلا في غير هذا الموضع " انظر مقالي بمجلة الأمة: القول الفصل في بيع الأجل ص ٥٤: وكتابي: الربا والحسم الزمني ص ٣٣) .

ولكن زيادة الثمن للأجل قد تصير حراما إذا اتخذت ذريعة للربا الحرام. فالبائع قد يبيع بثمن مؤجل مقداره مائة، ثم يخصم هذا الثمن (الممثل بورقة تجارية: سفتجة أو سند إذنى) لدى مصرف، فيحصل مثلا على تسعين في الحال. فالبيع بثمن مؤجل أعلى من المعجل جائز، ولكن قيام البائع بخصم الثمن المؤجل لدى المصرف حرام، لأن من شأنه أن المصرف يقرض البائع تسعين حالّة في مقابل مائة مؤجلة، وهذا ربا قرض أو ربا نسيئة محرم.

وقد تصير الزيادة في الثمن المؤجل على المعجل موضوعا لبعض الحيل الربوية، فيبيعه بثمن مؤجل ويشتري منه ما باعه بثمن معجل، أو يبيعه بثمن مؤجل إلى أجل معلوم، ويشتري منه ما باعه بثمن مؤجل إلى أجل معلوم أدنى من الأجل الأول، فهذا ينقل البيوع من بيوع أجل جائزة إلى بيوع آجال غير جائزة (بيوع عينة) . فلا بد إذن من التفريق بين بيوع الأجل وبيوع الآجال، وهذه العبارة الأخيرة استخدمها بعض الفقهاء (المالكية وغيرهم) للتعبير عن الحيل الربوية.

ومن هذا الباب حديث عائشة مع زيد بن أرقم، إذ بيع العبد بثمن نقدي مقداره ٦٠٠ دينار، ومؤجل مقداره ٨٠٠دينار (الأم ٣/٦٨، والمحلى ٩/٦٠، وبداية المجتهد ٢/١٣٩) . والخلاف بين العلماء في هذا الحديث ليس خلافا في زيادة الثمن المؤجل على المعجل، بل هو خلاف فيما وراء ذلك، حول بيع العبد بـ ٨٠٠ دينار مؤجلة وإعادة شرائه بـ٦٠٠ دينار معجلة.

وقد ميزت فيما كتبت سابقًا بين جواز البيع بثمن مؤجل أعلى من المعجل، وبين عدم جواز اتخاذ هذا الجواز سبيلًا إلى العينة أو بيوع الآجال، فحسبه بعض القراء من باب التناقض (أبو غدة ص٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>