للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يشكل أيضا أن إلزام العميل بالشراء، لا يمكن شرعا إذا لم يكن الثمن معلوما في وقت الإلزام، فمعلومية الثمن مطلوبة في كل بيع شرعي لأجل تحقيق التراضي، فكيف يتم التراضي على مجهول؟ وكذلك المواعدة إذا كانت ملزمة للعميل، فكيف يلتزم، والثمن الأول للمرابحة لم يعلم بعد؟ إن الذي دعا إلى العلم بالثمن في البيع هو نفسه الذي يدعو إلى العلم بالثمن في المواعدة الملزمة بالبيع ألا وهو التراضي على المعلوم، فالتراضي على مجهول غير متصور. إن الإلزام بالوعد في المرابحة يتنافى مع الرضا المطلوب شرعا في البيوع والتجارات (مقالي في الأمة ص٢٦، وأحمد علي عبد الله ص٢١٥) ، ولا سيما على رأي من رأى أن للمصرف أن يشتري السلعة للعميل بدون تحديد الثمن في وقت المواعدة، بل بالاقتصار على تحديد نسبة الربح إلى التكلفة، فهذا رضا بالمجهول، والرضا بالمجهول لا يصح في البيع (قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ٢/١٧٦، والطرق الحكمية لابن القيم ص٢٦٤ حيث ذكر أن البيع " يعتبر فيه الرضا، والرضا يتبع العلم ") .

ومن اضطر إلى إخلاف وعده، دون أن يكون في نيته الكذب أو الإخلاف وقت المواعدة، فليس بمنافق ولا آثم. قال تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (التوبة ٧٧ – ٧٨) .

وفي بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي ٥/٢٣٧ ((العدة دين)) رواه الطبراني في الأوسط عن علي وابن مسعود (الفتح الكبير) ، ((والعدة عطية)) رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود (الفتح الكبير) . فلا يقال إذن إن العدة دين بإطلاق، ولا عطية بإطلاق.

إن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده، لأنه عالم وقادر، بخلاف البشر، فإنهم يعدون أحيانا ولا يعقدون، لاحتمال الإخلاف نتيجة نقص علمهم وقدرتهم. فليس من المناسب أن نجعل الوعد ملزما كالعقد، ولا أن نجعل العقد كالوعد غير ملزم فلكل منهما دور ووظيفة لا يجب التعدي عليهما.

وقد بحث فقهاؤنا السابقون المواعدة في المعاوضات، بمناسبة الصرف (المواعدة في الصرف) ، فمنهم من أجاز المواعدة، ومنهم من لم يجزها، ولكن أحدا منهم لم يجعلها ملزمة، لأن الإلزام بها يؤدي إلى الربا، وإلى الصرف المؤجل (الأم ٣/٢٧، والمحلى ٨/٥١٣، ومقدمات ابن رشد ٢/١٨١، والقوانين الفقهية لابن جزي ص٢٧٦، والخرشي على خليل ٥/٣٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>