للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكني أرى أن الحكم الشرعي يجب أن يدور ههنا بين تخيير الطرفين معا أو إلزامهما معا، حتى يكونا على قدم المساواة، أي مستويين في الغنم والغرم، فكما تعرض للعميل أسباب تدفعه لعدم إمضاء وعده، فكذلك تعرض للمصرف مثل هذه الأسباب، كتغير سعر السلعة بين تاريخ المواعدة وتاريخ المعاقدة، أو انحراف المصاريف الواقعة عن المتوقعة، مثل مصاريف الشحن والتأمين والجمرك وأسعار صرف العملات، ولذلك لا أرى من الناحية الشرعية إلا وجوب اعتبار الطرفين في حالة خيار لا لزوم. فكيف نلزم المصرف بعد الشراء، ولا نلزم العميل لا قبل الشراء ولا بعده؟

وقد لاحظت أن الدكتور الصديق قد اعتمد على نص كتاب الأم للشافعي في استمداد الخيار للعميل والإلزام للمصرف. مع أن التأمل في نص الأم يفضي إلى خيار الطرفين لا إلى خيار أحدهما دون الآخر (راجع ما كتبته في مجلة المسلم المعاصر، ص١٨٤ و١٨٨، وأبو غدة ص١٤) .

قال في الأم ٣/٣٣: " ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز، وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ ".

الفرق بين المرابحة والوعد بالمرابحة

قد يتساءل: لماذا لجأ بعض الفقهاء المعاصرين إلى تقسيم العملية إلى مرحلتين: مرحلة مواعدة، ومرحلة معاقدة؟ فما دامت المواعدة، عند بعضهم ملزمة، فلماذا لم تنعقد العملية بيعًا منذ البداية؟ فأي فرق بين البيع والوعد بالبيع إذا كان الوعد ملزما؟

الجواب أن المصرف لا يملك السلعة عند المواعدة، وقد لا يستطيع شراءها لسبب أو لآخر، كارتفاع ثمنها أو غير ذلك. لذلك لجأوا إلى المواعدة، وهي حتى لو كانت ملزمة، إلا أنه يجب الانتباه إلى معنى الإلزام عندهم، حتى يلحظ الفرق بين البيع والوعد الملزم بالبيع.

فالمواعدة من جانب المصرف لا تصير ملزمة إلا بعد شرائه السلعة، والمصرف ليس ملزما بشراء السلعة، ولكنه إذا اشتراها صار ملزما ببيعها إلى العميل، سواء كان المذهب إلزام المصرف وحده دون العميل، أو كان المذهب إلزام الطرفين.

كما لجأوا إلى المواعدة (الملزمة) بدل البيع، لأن هناك نصوصا تمنع من بيع ما لا يملك، فاختاروا لفظ " المواعدة " بدل البيع حتى لا يتطابق بيع المرابحة المصرفية مع بيع ما لا يملك، ومع محرمات أخرى (كربح ما لا يضمن وخلافه) فجعلوها مواعدة أولًا على سبيل الهرب المؤقت من لفظ البيع، ثم ملزمة ثانيا على سبيل الرجوع إلى حقيقة البيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>