للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلافًا للحنابلة الذين يرون عدم جواز تخصيص النص بالمصلحة على الرغم من أخذهم بنظرية المصالح المرسلة وحجتهم في أنه لا محل للنظر إلى المصلحة إلا عند فقدان النص، ولا مجال للنظر إليها عند وجوده؛ لأن دلالة النص وعمومه مقدمان على النظر إلى المصلحة. كما ذهب الشافعي إلى رفض الأخذ بنظريتي الاستحسان والمصالح المرسلة إلى عدم تخصيص النص، ولو كان غير قطعي الدلالة بالمصلحة؛ لأنه يرفض التسليم بالمصلحة كأصل للتشريع، غير أنه يصل إلى ذات النتيجة التي يصل إليها من يأخذ بالمصلحة المرسلة كأساس للتشريع، ويخصصون بها النص ولكن عن طريق أصل آخر هو تحكيم قاعدة الضرورات تبيح المحظورات (١) . وعلى الرغم من الخلاف الشكلي بين الأئمة الثلاثة فإن المصلحة المرسلة أصبحت مصدرًا خصبا للفقه الإسلامي تخصص بعض النصوص وتفسر البعض الآخر منها فمن أمثلة الاعتماد عليها في تفسير النصوص وفهمها منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إعطاء المؤلفة قلوبهم سهمًا في الزكاة رغم الأمر بذلك في القرآن كما أوقف عقوبة السرقة في عام المجاعة وأبقى أرض العراق وغيرها من الأرض المفتوحة في أيدي أصحابها، وفرض ضريبة الخراج عليها بدلا من توزيعها على الفاتحين: وفي هذا الصدد يقول المالكية تعبيرهم المشهور: " فحيث تكون المصلحة العامة للمسلمين يكون شرع الله " (٢) .

وبعد هذا الاستعراض، ولكون هذا النوع من البيوع أصبح اليوم في حكم الضرورة وبما أن القاعدة الشرعية: هي أن الأصل في المعاملات الإباحة إلا ما قام الدليل المعتبر شرعًا على تحريمه فإنني أرجح جواز إباحة التعامل بهذا البيع مع وضع الشروط والضوابط اللازمة شرعًا، ولو لم يكن في نظري أي مرجح لهذا النوع من البيع إلا تخصيص الحديث النبوي الذي ينهى عن بيع ما ليس عند البائع على فرض سلامة وجه الاستدلال منه لكانت المصلحة وحدها كافية لتخصيصه، ولا يفوتني هنا أن أذكر أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع الموقرين بترابط النظرة الفقهية للمجمع في هذه المسألة. وبين القرار رقم (١) و٢/٧. /٨٦ بشأن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية الذي أصدره في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من ٨ إلى ١٢ صفر ١٤٠٧ هـ / ١٢ إلى ١٦ أكتوبر ١٩٨٦ م. حيث جاء فيه ما يلي: " المبدأ الأول: أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا.

المبدأ الثاني: أن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها هو توكيل مقبول شرعا. والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.


(١) انظر المدخل للزرقا ص ٥٧ وما بعدها المستصفى للغزالي ص١٣٧، والأم للشافعي ج٧ ص٣٧٣- ٣٧٤
(٢) انظر محمد يوسف موسى: المدخل ص١٨٩، ١٩١، أصول الفقه للبرديسي ١٩٦٩ ص٢١ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>