للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإلزام في الشراء ليس بيعًا، بدليل أنه لو كان بيعًا لانتقل الملك مباشرة بمجرد حضور البيع، ولكن ليس هناك انتقال وإنما فيه إلزام على البيع، والإلزام في اللغة الشرعية واللغة القانونية مقتضاه أمران: إما أن يكون هناك تنفيذ فيكون تنفيذًا لما تم عليه الاتفاق، أو لا يكون تنفيذ فيكون تعويضًا من الضرر الناتج عن عدم التنفيذ، فمفهوم الإلزام ومقصوده أن لا نخرج من عملية البيع بتحايل قد يضار فيه البنك ولسنا نحمي البنوك الإسلامية فقط، وقد يضار فيه العميل بدليل أنه لو استورد البنك هذه البضاعة ثم ارتفعت الأسعار وطمع البنك في ارتفاع السعر وحرم التاجر من بيعه البضاعة التي طلبها لأنه كان يتوقع ارتفاع الأسعار، وكان هذا التاجر مرتبطًا مع جهة ما ليورد لها هذه البضاعة فيحصل له ضرر كبير لو لم يلتزم البنك، فأما أن نقول بالإلزام للطرفين -وهذا هو المفهوم- أو الطرفان يكونان حرين في ذلك، وهنا إذا كانت الحرية، فتدخل الأطماع، كيف ترتفع الأسعار ونبيع السعر المرتفع بالسعر السابق المتفق عليه؟ فيحدث الضرر ويصبح بلبلة في الأسواق ويتجنب استقرار الاسعار والعقود والمعاملات بين الناس، وتصبح القضية، قضية هزل وليست قضية جد، فإذا كان هناك من يقول: فلتمتنع البنوك الإسلامية عن الالتزام ولا تشتري إلا البضائع التي ليس فيها التزام، فماذا يعني هذا؟ يعني أن البضائع العامة كالقمح والسكر والأرز الذي يمكن أن يباع عمومًا يصبح صالحًا للاستيراد، ماذا عن البضائع المخصصة؟ شركة طيران الكويت تستورد محركات نفاثة لا تصلح إلا لطائراتها البيونغ ٧٤٧ وجاء المحرك حسب الوصف ثم قال مدير الشركة لا نشتري هذا المحرك، أين يذهب البنك بهذا المحرك؟ هنا يحدث ضرر فإما أن يكون قول بالإلزام لأنه جاء حسب الوصف وهذا هو الذي سار به الأحناف في عقد الاستصناع عندما كان الرأي الأول رأي الإمام أنه هناك خيار في عقد الاستصناع ثم تبينوا مدى الضرر الذي ينتج عن هذا الخيار، فجاء رأي المتأخرين ورأي أبي يوسف وأخذت المجلة (مجلة الأحكام العدلية) بالرأي الأخير الذي ألزم قبول الشيء المستصنع فيه طالما أنه جاء حسب الوصف، ولو كان عند التعاقد معدومًا، وهذا هو الأمر الذي نرى فيه في عقود المرابحة للآمر بالشراء، أنه إذا كان هناك نكول وقلنا بأن اللزوم لا يعني الإجبار على التنفيذ فلابد أن عدالة الشريعة لا تسمح بوقوع الضرر لا للبنك الإسلامي ولا للعميل، وأن تكون هناك قاعدة واضحة بأن هذا الضرر إذا حصل فإن المتسبب فيه يكون ضامنًا لتعويض الجهة المتضررة عنه وبذلك يتكامل عدل الشريعة وجمالها.

<<  <  ج: ص:  >  >>