للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

تغير قيمة العملة بقرار من الدولة

وهذه الحالة أيضًا تناولها ابن عابدين رحمه الله تعالى فقال: (ثم اعلم أنه تعدد في زماننا ورود الأمر السلطاني بتغيير سعر بعض النقود الرائجة بالنقص واختلف الإفتاء فيه والذي استقر عليه الحال الآن (١) : دفع النوع الذي وقع عليه العقد لو كان معينا كما إذا اشترى سلعة بمائة ريال أفرنجي أو مائة ذهب عتيق) (٢) .

(أو دفع أي نوع كان بالقيمة التي كانت وقت العقد إذا لم يعين المتبايعان نوعا والخيار فيه للدافع كما كان الخيار له وقت العقد) (٣) .

وهو رحمه الله يفرق في هذا النص بين أمرين:

الأمر الأول: إذا اتفق الطرفان المتبايعان أو المقرض والمقترض على الوفاء بعملة معينة فإنه يجب دفع النوع الذي وقع عليه العقد.

فلو كان الثمن مائة جنيه مصري أو ثلاثمائة ريال سعودي فإنه يجب الالتزام بما اتفق عليه الطرفان بغض النظر عما صدر من أوامر أو قرارات بتخفيض قيمة الجنيه أو الريال.

الأمر الثاني: إذا لم يحدد المتعاقدان عملة معينة فإن الخيار هنا للدافع (المشتري أو المقترض) حيث يجوز له الوفاء بأي عملة شاء.

والواقع الآن (٤) أن هذه الحالة التي تكلم عنها ابن عابدين لا وجود لها في زماننا – أوائل القرن الخامس عشر الهجري –.وإذا كان ابن عابدين قد تلكم عنها فما ذلك إلا إنها سائدة ومنتشرة في عهده رحمه الله (٥) .

فقد كان الاتفاق يتم على بيع سلعة بمائة جنيه مثلا دون بيان نوع هذا الجنيه هل هو شريفي أو محمدي أو بندقي (٦)


(١) منتصف القرن الهجري الثالث عشر فقد توفي ابن عابدين رحمه الله عام ١٢٥٢ هـ
(٢) ابن عابدين المرجع السابق: ص ٦٦
(٣) ابن عابدين المرجع السابق: ص ٦٦
(٤) وهذا (الآن) يختلف عن (آن) ابن عابدين رحمه الله فنحن نتكلم عن زماننا وهو أوائل القرن الهجري الخامس عشر.
(٥) فقد كانت النقود في عهده كثيرة ومتعددة ومختلفة الأشكال والمقادير ولعل التعامل في بعض صوره قد يكون محددا بحيث يتفق الطرفان على تحديد نوع العملة التي يتم الدفع بها مستقبلا بالنسبة للعقود الآجلة مثل البيع المؤجل الثمن ومثل القرض أيضًا. لكن قد يأخذ التعامل صورة أخرى يتفق البائع والمشتري على عقد البيع ويذكران ثمنا محددا مائة ريال دون تحديد نوع هذا الريال أو مائة جنيه من غير بيان نوع هذا الجنيه.
(٦) فقد كان القرن التاسع عشر ومن باب أولى القرون السابقة له يشهد فوضى ضاربة أطنابها في النظام النقدي بالنسبة لكثير من دول الشرق ومنها مصر بطبيعة الحال نظرا لانتشار التعامل بخليط غير متجانس من المسكوكات الفضية والذهبية وهو ما كان منتشرا في مصر بصورة واضحة حيث كان بعض هذه المسكوكات مصريا وأغلبها نقود أجنبيه تتفاوت فيما بينها تفاوتا ملحوظا فيما تعلق بالوزن والعيار. أ٠د محمد زكي شافعي: مقدمة في النقود والبنوك ص ١٧٧ طبعة سنة ١٩٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>