المطلب الثاني – خلاصة أقوال المعاصرين وصبها في تيارات في هذه القضية الخطيرة وهي قضية ربط الحقوق والالتزامات بالقيمة الحقيقية في النقد الاصطلاحي:
هنالك ثلاث تيارات واضحة وضوحًا تاما للباحث المتتبع أجمل القول فيها بما يلي:
١- التيار المتشدد: وهو التيار الذي يعد ربط النقد الاصطلاحي بالقيمة الحقيقية في الحقوق والالتزامات – يعدها نوعًا من الربا الذي حرمه الإسلام، فإن لم يكن ربا حقيقة فهو من باب شبهة الربا، وادعى بعضهم الإجماع على ذلك ولم أره، وأما أدلتهم فتنظر في بحوثهم.
٢- التيار الوسط: وهم الذين نظروا إلى الموضوع نظرتين مثالية وواقعية: فتوسطوا في الحكم واعتدلوا أكثر من غيرهم، ولكنهم اختلفوا في توجيه هذا الاعتدال في الحكم، فمنهم من ذهب إلى الأخذ بقول الإمام أبي يوسف في القيمة وقيده بضابط هو وجه الشيخ الرهوني وهو ما إذا فحش التغير إلى الرخص بحيث صار القابض لهذه العملات كالقابض لما لا كثير منفعة فيه، وهذا هو المعيار الذي نصبه الشيخ الرهوني لفحش الرخص وكثرته، لكنه رجح وقت تقدير القيمة بالقرض يوم القبض، والبيع أخذ رأي سحنون من المالكية في الكساد بأن يرجح إلى قيمة السلعة يوم دفعها بالسكة الجديدة.
- ومنهم من ذهب إلى ربط الأجور بقائمة الأسعار في غير الديون، لكنه أخذ بقول الجمهور في الديون والقروض.
- ومن هؤلاء الباحثين من رجح أحد حلين: اعتبار الفلوس وما يلحق بها من الأوراق النقدية سلعًا تجارية في غير القرض أو إضافة نسبة مئوية إلى الثمن متأخر الدفع سماها (نسبة التضخم) مع الإبقاء على حكم ربويتها.
- ومن هؤلاء الباحثين من فرق بين الغلاء والرخص في الظروف العادية وبين ما إذا صدر قرار من الدولة بتخفيض عملتها.
ففي الواقعة الأولى، في حال الوفاء في الأجل المتفق عليه فلا داعي لبحث التغير للرضا من الطرفين بذلك.
وفي حالة عدم الوفاء فإن كان لعذر قهري فنظرة إلى ميسرة. وإن كان مطلًا وليًا من واحد فلا مانع من الحكم على المدين بتعويض الدائن.
وفي الواقعة الثانية، نقل الباحث نص كلام ابن عابدين من أنه يجب على المدين دفع النوع الذي وقع عليه العقد لو كان معينًا أو دفع أي نوع كان بالقيمة التي كانت وقت العقد إذا لم يعين المتبايعان نوعًا، والخيار فيه للبائع كما كان الخيار له وقت العقد، لكن لما كان هناك ضرر في هذا الحل للبائعين انتهي العمل إلى الصلح على الأوسط لدفع الضرر وهو الذي اختاره العلامة ابن عابدين رحمه الله.