٣- التيار المجيز لربط الحقوق والالتزامات بالقيمة الحقيقية من الذهب والفضة: وهو قول الإمام أبي يوسف عليه رحمة الله.
وهو ما رجحه كثيرون من العلماء والباحثين من أعضاء المجمع الموقر ومن غيرهم في جميع صور الرخص والغلاء. وما يتبعه من التضخم والانكماش. . .
ففي هذا المبحث كلًّا لا يتجزأ اتخذ هؤلاء الزملاء موقفًا يتطابق مع مقاصد الشريعة العامة والخاصة، ويرتفع بالموضوع كله عن مزالق الضرر والضرار، وهو ربط جميع الحقوق والالتزامات في الشريعة بالقيمة الحقيقية بالنقود الاصطلاحية إلا وهي الذهب إن لم يتفق عليه من القيمة أو ما اتفق عليه بين المتعاقدين.
وحجة هؤلاء أن البائع إنما بذل سلعته في مقابلة منتفع به لأخذ منتفع به، فلا يظلم بإعطائه ما لم ينتفع به هذا في البيع، وأما في القرض والديون فما ذنب الدائن إذا احتسب أمره عند الله تعالى فترك تثمير ماله في يده وأقرضه لإنسان مدة ونقص نقصانًا واضحًا فهل جزاؤه أن يرجع إليه عشر ماله أو أقل مكافأة له على أنه أقرض لوجه الله قرضًا حسنًا؟! إذا لبطل المعروف. وأقلع الناس عن الإقراض، وهلك من جراء ذلك الفقراء المحتاجون.
تذييل: في وقوع العقد على نقد غير معين النوع.
إذا وقع العقد على نقد غير معين النوع ولا قرينة تعينه كالريال مثلًا في عصرنا، والقروش في عصرهم فقد تكلم في هذا الموضوع فقيهان من الحنفية:
١- العلامة ابن عابدين: ذهب إلى أنه قبل صدور الأمر السلطاني بالرخص فيها فالمشتري بالخيار في دفع العملة المسماة أو ما يعادلها، وحكى الاتفاق على ذلك.
وأما بعد ورود الأمر السلطاني بالرخص فإما أن تكون العملات متساوية في قيمتها أو مختلفة:
- فإن كانت متساوية في الرخص وجب دفع ما يعادل تلك العملات بالسعر الذي كانت عليه وقت العقد.
- وإن كانت مختلفة فيلجأ إلى الصلح فيدفع الوسط.
٢- وذهب الشيخ عبد القادر الحسيني إلى أن من باع بالقروش قبل ورود الأمر السلطاني ثم قبل قبض الثمن ورد الأمر من الدولة بتراجع أسعار النقود، فعلى المشتري أن يدفع ما يعادل القرش بحساب العرف من أي نوع كان بالسعر الذي يروج به وقت القبض برضا البائع، وللبائع طلب المسمى في عقد البيع أو مثله.
والذي ترجح هو رأي ابن عابدين لكونه وافق مقصود الشارع من استقرار المعاملات ورفع الضرر وأرفق بالعاقدين كما هو ظاهر.