فقول الشيخ الرهوني بوجوب المثل في الرخص والغلاء إذا لم يكثر الرخص والغلاء جدًا بحيث يصير القابض لها كالقابض لما لا كثير منفعة فيه، قول لا يأتينا بشيء جديد بل كان الشيخ الرهوني يفرق بين حالتين: حالة الرخص والغلاء اليسير في نظره وهو هنا مع الجمهور في وجوب المثل، وحالة الكساد وهو هنا مع الجمهور أيضًا في وجوب القيمة ولا أستطيع أن أعتد بوجه الرهوني ضابطًا لرأي أبي يوسف لئلا يمضي رأي أبي يوسف في كل رخص أو غلاء ولو يسيرًا كما أخذ بذلك بعض الزملاء في المجمع حفظهم الله.
وقولهم:(لئلا يمضي رأي أبي يوسف في كل رخص أو غلاء ولو يسيرًا فتضطرب المعاملات وتتزعزع ثقة الناس في التبادل بالفلوس ومثلها الأوراق النقدية، لأن الغبن اليسير أو الغلاء والرخص اليسير لا تخلو منه المعاملات) ، قول سديد، ولكن هل يصلح وجه الشيخ الرهوني رحمه الله من المالكية ضابطًا لهذا الجموح المتوقع؟! اللهم لا بل هذا ذهاب منه لإلحاق الرخص بالكاسد وليس كلامنا في الكساد.
بل الضابط في اليسير والفاحش هو قول التجار أهل الخبرة، فما يرونه يسيرًا فهو يسير، وما يرونه تغيرًا فاحشًا كثيرًا فهو كثير. وهو معيار منضبط اعتبره الشرع دائمًا في الأمور الفنية البحتة.
ومعنى هذا أن التغير الفاحش شيء والكساد الذي عبر عنه الرهوني رحمه الله شيء آخر.
ويظهر ذلك بالمثال الآتي من واقعات العصر (الليرة اللبنانية والليرة التركية) فالليرة اللبنانية أصابها رخص ألحقها بالكاسدة كما ذهب إليه الشيخ الرهوني فهي لم ترخص ولكن كسدت فوجبت القيمة لأنها وصلت من الكساد إلى حد أصبحت لا قيمة لها فانقطعت من التعامل أو كادت بينما الليرة التركية رخصت رخصًا فاحشًا ولكن لم تكسد ولم تنقطع من التعامل وكذلك مثيلاتها من الليرة السورية وغيرها فهذا هو المثال الصحيح للرخص الفاحش الذي لم يدخل تحت الكساد أو الانقطاع المتفق على أنه تجب فيهما القيمة عند أبي يوسف رحمه الله.
فتجب القيمة هنا أيضًا في هذه الأمثلة في هذا الترجيح، ولا تجب القيمة عند الشيخ الرهوني ومن تبعه بل يجب المثل. وهنا تحرير محل الخلاف.
وعلى هذا؛ فالتغير اليسير الذي يعده خبراء التجار يسيرًا يوجب رد المثل فقط لأنه لا يمكن خلو التعامل عنه بحال.