وما القضية المطروحة أمام مجمعنا اليوم إلا جزءًا لا يتجزأ عن فراغ التشريع الإسلامي في الحياة الاقتصادية للأمة الإسلامية. وبالتالي عدم استغلاليتها في صنع القرار أو التشريع الاقتصادي العادل والنابع من عقيدتها وإسلامها. ومن هنا نعتقد بأن النظرة الموضوعية والشمولية للقضية المطروحة، وبالتالي الوصول إلى الحكم الشرعي المجمعي لا يمكن أن يكون بمعزل عن الأسباب والمسببات والبواعث الظاهرة والمبطنة التي أدت إلى بروز هذه المشكلة بصورتها الحادة في عالمنا الإسلامي بدون استثناء. إن بحث تغير قيمة العملة والأحكام المتعلقة بها في الشريعة الإسلامية مسألة عالمية في عالمنا المعاصر، ومناط الحكم الشرعي فيها يقترض من وجه نظرنا كما تقدمت الإشارة إليه وضعها في صورتها المتكاملة والواضحة، والإلمام الدقيق بكل أبعادها وأسبابها ومسبباتها كقضية إسلامية عالمية عميقة الجذور ومتشعبة الجوانب لا يقتصر تأثيرها على شعب أو مجتمع بمعزل عما يدور في عالم البشرية اليوم نظرًا لترابط المجتمعات والشعوب التي لم يسد فيها ميزان العدالة الدولية حيث عمل الاستعمار ولا زال يعمل على نهب خيرات الشعوب، وعلى زرع الفتن بينها حتى لا تتفرغ لاستثمار ما أودعه الله في خزائن الأرض وأعماق البحار، كما عمل من جانب آخر على رفع ثمن السلع الاستهلاكية، وطلب قيمتها بالعملات الصعبة، والتي من خلالها يتم تحكمها على القيمة المالية للاقتصاد العالمي من خلال بنوكها ومصارفها العالمية، والذي يديرها اليوم كثير من يهود العالم والصهيونية العالمية بعد أن تمكنوا منذ قرون من جمع العملة النقدية، أي الذهب والفضة. وبالتالي فرضها على كافة شعوب العالم بما فيها شعوب أمتنا الإسلامية، وجعلها مقياسًا للقوة الشعوب الاقتصادية، والتي لا تملك منها الشعوب الفقيرة والنامية إلا نسبة ضئيلة لا تفي بجعل عملتها الورقية ولا حتى بقوة اقتصادها بأن تقف على قدم المساواة فضلًا عن ميزان العدالة في تقويم السلع المصدرة والمستوردة في القيمة المالية الحقيقة لما تصدره هذه الشعوب، حتى لا تملك الرصيد الذهبي الكافي لما تستورده، إضافة إلى هذا وذاك العمل على امتصاص العملة الصعبة إذا ما قدر لها الدخول بكميات ضئيلة إلى هذه الشعوب الفقيرة، منها على سبيل المثال بخس أثمان منتوجاتها، والتحايل عليها من عدم الحصول على العملة الذهبية بخلق الفتن ببن شعوبها، ومحاولة زعزعة الأمن في شئونها الداخلية، وبالتالي تصدير الأسلحة إلى هذه الشعوب التي قد لا تكون بحاجتها، وبالتالي أيضًا المقايضة غير المتكافئة. إن هذه العوامل والأسباب المؤثرة تأثيرًا مباشرًا على قيمة العملة في شعوبنا الإسلامية محليًا وعالميًا يجب أن تدرس بعناية وأن يؤخذ كل سبب يمت إلى تغير قيمة العملة بعين الاعتبار عند النظر في تأصيل الحكم الاجتهادي ذات الصبغة الإسلامية العالمية، وليس حكمًا اجتهاديًا بمعزل عما يعتمل في عالم الأمة الإسلامية ومن حولها وهذا ما قصدت الإشارة إليه في هذه المقدمة.