للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية للدول، والتي لا يمكن بحث السياسة الاقتصادية للأفراد بمعزل عن السياسة الاقتصادية الدولية في مجال المعاملات الفردية، وبالتالي لا يمكن أن تظهر هذه القضية من وجهة نظر الشريعة الإسلامية في مجال المعاملات الفردية بعيدًا عن أسبابها ومسبباتها الدولية والتي أصبحت تؤثر تأثيرًا مباشرًا على تصرفات الأفراد، وبالتالي أيضًا، فإن الحكم الاجتهادي المعجمي لا يمكن أن يحيط بوجهة النظر الفقهية في الشريعة الإسلامية دون التصور العلمي الصحيح الذي يعصم الذهن عن الخطأ في التفكير عند النظر إلى مقاصد الشرعية وأسرارها الإلهية الحكمية، وهذا ما عنيت به هذه المقدمة من التصور الشمولي وعدم جريد النص الشرعي أو الأصول الاجتهادية التابعة للنصوص من ظروفه وشروطه وتعليل مقاصد الشارع الحكيم.

بعد هذه المقدمة: نجد من الضروري في المسألة المطروحة الإشارة إلى العلة الشرعية التي قصدها الشارع عند تشريعه أحكام العملة من النقدين الذهب والفضة وإلى أسباب اختلاف الفقهاء في تلك العلة لما لمعرفة تلك العلة وأسباب الاختلاف في تحقيق مناطها من أهمية خاصة على تأصيل النظرة الفقهية الاجتهادية وعلى وجه الخصوص محل النظر في الحكم الشرعي الاجتهادي.

فقد روى الإمام مسلم – رضي الله عنه – في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر وبالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد،فإذا اختلت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدًا)) وفي بعض الروايات: ((فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء)) لقد بحث جمهور الأصوليين عن العلة الشرعية التي هي مناط أحكام الشارع حيث ذهب البعض منهم وهم الأحناف على أن العلة الشرعية التي هي مناط أحكام الشارع في النقدين الذهب والفضة هي: الوزن: أي أن تحريم الشارع للتفاضل إنما هي علة الوزن: أي كون الذهب والفضة من الموزونات، وبالتالي فإن تحقيق مناط العلة في الوزن عند الأحناف يلحق بها كافة الأشياء التي توزن كل ما يوزن يعطى نفس الحكم بجامع العلة بين الأصل والفرع. مثل النحاس والحديد والرصاص ... إلخ.

كما ذهب الإمام الشافعي والإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد – رضي الله عنهم – إلى أن علة تحريم التفاضل بين الذهب بجنسه والفضة بجنسها: إنما هي الثمنية، أي كون هذين الصنفين أثمانا للأشياء بمعني أن أثمان الأشياء تقوم بهما، ولأنهما أيضًا أثمان بالخلقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>