للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحرير محل الخلاف

في مناط العلة الشرعية في النقدين الذهب والفضة

لسنا بحاجة إلى الحديث عن العلة في الأصناف الأربعة الأخرى التي تناولها الحديث المذكور التزامًا للموضوعية وخشية التطويل. ولكننا بالمقابل نرى ضرورة تحرير محل الخلاف في تحقيق المناط في علة تحريم التفاضل بين النقدين الذهب والفضة بجنسيهما لما لهذا التحقيق من فائدة في إعطاء المسألة المطروحة حقها في النظرة الأصولية، ولما في تحقيق المناط من إظهار خصوصيات التعامل بين الناس، ولما في عدم فهم تلك الخصوصيات من خطورة الوقوع في الربا، ونذكر هنا وجهة نظر الأصوليين في تحقيق مناط العلة ونعقب بذكر المختار من طرقهم ونعترض على ما يتطرق الاعتراض إليه أن تحقيق المناط الأصولي ليس من مسالك العلة باتفاق الأصوليين، بل هو دليل تثبت به الأحكام الشرعية، وبالتالي فلا خلاف بين جمهور الأصوليين في وجوب العمل به على اختلاف مذاهبهم الفقهية، إذ لا يمكن التكليف إلا به في الأحكام الاجتهادية وتحقيق المناط وإلحاق الفرع بها في الحكم الاجتهادي إنما يكون بعد الاتفاق على تحقيق تلك العلة في الأصل.

ومما لا شك فيه بأن النصوص الشرعية في الكتاب والسنة متلقيان بالقبول والتسليم وكذا الإجماع لكونه ملحقا بهما: أي بالكتاب والسنة. أما القياس وهو الأصل الرابع من الأصول الشرعية، فإنه مستند في حقيقته إلى الأصل الثالث: أي الإجماع وبالتالي ـ، فإن حكمه يعتمد على أصل متفق عليه وهو الإجماع.

وأما الاستدلال وهو الذي يتوصل إليه المجتهد باجتهاده فليس له أصل في الأصول الثلاثة يشهد له وليس يدل لعينه دلالة أدلة العقول على مدلولاتها، وبالتالي، فإن انتفاء الدليل على العمل بالاستدلال دليل انتفاء العمل به.

وهذا المنطق الأصولي هو الذي حرر عقول المجتهدين من التقليد والالتزام بما توصل إليه المجتهد باجتهاده عن طريق الاستدلال لكون استدلال المجتهد لا دليل عليه يدل على الالتزام به عند من له ملكة الاجتهاد والاستدلال للوصول إلى الحكم الفقهي الاجتهادي. ومن هنا اتسعت نظرة المجتهدين فجالت وصالت واعتصرت العقول في أدلة الشريعة الإسلامية المطهرة وأنتجت تلك الثروات العلمية العظيمة التي زخرت بها مكتبات العالم ودور العلم ولا زالت تلك الينابيع تفيض من معينها الصافي العذب الذي لا ينصب ولا شك بأن هناك نصوصًا شرعية حصرت معانيها الأصول وضبطتها النصوص فهي منحصرة ومنضبطة بضبط الشارع لها.وهناك نصوص لم تحصر معانيها تلك الأصول، وبالتالي لا يمكن أن تضبطها نصوص الشرع، وبالتالي يتسع الأمر للاجتهاد واتباع وجوه الرأي واختلاف تلك النظرة الاجتهادية تبعًا لاختلاف الزمان والمكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>