للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المعلوم أن النقود، سواء كانت نقودًا معدنية أو ورقية، لا يقصد بها ذاتها، فإنها بذاتها لا تسد جوعًا، ولا تستر جسمًا، ولا تدفع شهوة، ولا ترد ضررًا. وإنما المقصود من هذه النقود أن يشتري بها المرء ما يحتاج إليه في حياته من بضائع وخدمات. فمن هذه الجهة كل نقد له قيمتان: الأولى: قيمته الاسمية وهي المكتوبة عليها، والثانية: قيمته الحقيقية وهي الفائدة العملية الحقيقة التي يحصل عليها المرء بصرفها في حاجاته، وبعبارة أخرى: هي مجموعة من البضائع والخدمات التي يمكن للمرء أن يشتريها بتلك النقود. وإن هذه المجموعة من البضائع يسميها الاقتصاديون اليوم " سلة البضائع ". فالقيمة الحقيقية للنقود هي سلة البضائع الممكن اشتراؤها بها. ثم إن البضائع والخدمات المندرجة في السلة ليست على مستوى واحد من الأهمية، فبعضها أهم من بعض. فالحنطة مثلًا أهم من الثوب والثوب أهم من الشاي. ولا شك أن تغير السعر فيما هو أهم أكثر تأثيرًا على حياة المرء من تغيره فيما هو أقل أهمية. فلو ارتفعت قيمة الحنطة فإنه يحدث مشاكل أكثر مما يحدثه ارتفاع قيمة الشاي.

فلأجل الوقوف على التغير في قيمة النقود الحقيقية يأخذ الاقتصاديون أهمية كل بضاعة من هذه البضائع رقمًا على أساس أهميته وإن هذا الرقم يسمى وزن البضاعة، وإن هذا الوزن ربما يحاسب على أساس نسبة الرواتب المصروفة في شراء تلك البضاعة كل شهر. فمعدل تغير قيمة السعر في كل بضاعة يضرب في وزنها والحاصل هو المعدل الموزون لكل بضاعة. وقد أعطيت لذلك أمثلة فعلية ولكن المقصود هنا أننا لو نظرنا في هذا الطريق الحسابي الذي تعين به القيمة الحقيقية للنقود اتضح لنا أن هذا الطريق مبني على الخرص والمجازفة في جميع مراحله. ويتبين بالتجزئة في هذا الطريق أنه يستولي على الخرص والتخمين في الأمور الآتية:

الأول: من المعروف أن كل رجل له حاجات تخصه فالبضائع المحتاج إليها تختلف باختلاف الرجال، فسلة البضائع لكل أحد تختلف عن سلة الآخر، ولكن السلة المندرجة في قائمة الأسعار واحدة. وإنما تدرج فيها البضائع على أساس كثرة من يستعملها. فربما تدرج فيها بضائع لا يحتاج إليها بعض الناس أبدًا. فالقائمة غير حقيقية بالنسبة إلى أولئك البعض. فإدارج بعض البضائع في القائمة ليس إلا مجازفة وخرصًا.

ثانيًا: ثم المجازفة الثانية تأتي في تعيين وزن البضائع،وأهميتها بالنسبة للمستهلكين، ولا شك أن أهمية البضائع أمر إضافي يختلف باختلاف الأشخاص، فبينما البضاعة الواحدة مهمة جدًا لشخص واحد، فإنها لا أهمية لها إطلاقًا لشخص آخر. ولكن القائمة تفرض أن أهمية كل بضاعة واحدة بالنسبة إلى كل مستهلك، وذلك على أساس المعدل الوسط، وليس ذلك إلا خرصًا ومجازفة.

والمجازفة الثالثة في تعيين قيمة البضائع في سنوات مختلفة، لأن من المعلوم أن البضاعة الواحدة تختلف قيمتها باختلاف الأمكنة أيضًا، ولا يمكن في القائمة إلا إدراج قيمة موضع واحد، ولو وضعت القائمة لدولة واحدة فلا يمكن ذلك إلا عن طريق استخراج معدل وسط وهو مجازفة أيضًا.

فتقرر بهذا أن قائمة الأسعار مبنية على الخرص والمجازفة في جميع مراحلها، ولو كان الحساب من الدقة بمكان، فإن غاية ما يصل إليه في ذلك هو التقريب دون التحقيق. وبما أن اشتراط أداء القروض والديون بالخرص والمجازفة لا يجوز شرعًا، فلا يجوز ربط الديون بهذه القائمة بحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>