للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الكلام عن تغير قيمة العملة يدعونا لمعرفة حكم العملة الورقية كما ذكر الإخوة الأفضل. وأظن بأن المجمع الموقر وغيره من المجامع الفقهية قد أكد على أن العملة الورقية تقوم الآن مقام الذهب والفضة، ولا يمكن أن نعتبرها كالفلوس التي تكلم عنها فقهاؤنا الأقدمون رحمهم الله تعالى، لما بينها وبين الفلوس من تفاوت. فالفلوس أعدت لشراء المحقرات كما ورد ذلك في تعبير الفقهاء، في حين أن العملة الورقية الآن هي الأثمان الرائجة في الأسواق. فإذا عرفنا بأنها تقوم مقام الذهب والفضة تبين لنا ما يأتي:

أولًا: إن الديون تؤدى بمثلها لا بقيمتها، أي عملًا بسعر صرف يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين، عملًا بالأحاديث الواردة بهذا الشأن ومن ذلك حديث ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما -.

ثانيًا: ما احتج به بعض الباحثين بقول أبي يوسف رحمه الله في الفلوس الكاسدة غير وارد كما ذكرت آنفًا، لأن هناك فرقًا بينها وبين العملة اليوم، وأود أن أبين بأن الخلاف بين أبي يوسف وبين غيره من فقهاء الحنفية رحمهم الله تعالى إنما هو في الكساد لا في الرخص. فها هو الطحاوي - رحمه الله - تعالى ينقل عن ابن شابي قوله: وأجمعوا أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت، فعليه مثل ما قبض من العدد.

ثالثًا: حكى ابن عابدين عن بعض كتب المذهب ما هو أولى بالاحتجاج في هذا الموضوع. فقد نقل عن بعض كتب المذهب ما يلي: رجل اشترى ثوبًا بدراهم نقد البلدة فلم ينقدها حتى تغيرت فهذا على وجهين، إن كانت تلك الدراهم لا تروج اليوم في السوق أصلًا فسد البيع لأنه هلك الثمن، وإن كانت تروج لكن انتقصت قيمتها لا يفسد، لأنه لم يهلك وليس له إلا ذلك. وإن انقطع بحيث لا يقدر عليها فعليه قيمتها في آخر يوم انقطع من الذهب والفضة وهو المختار.

وأود أن أقول لأخي الشيخ علي القره داغي بأن مطلق الثمنية هو العلة في تحريم الزيادة في الأثمان، وهذا هو رأي أكثر الفقهاء رحمهم الله تعالى، وليس الوزن بل هو قول للحنفية وعندما اعترض عليهم كيف تجيزون السلم بها في أشياء الموزونة مثل الزعفراني وغيره؟ أجابوا عن ذلك بأن الوزن يختلف في كل منهما، فالذهب والفضة توزن بالصنجات، والزعفران وغيره يوزن بالأواني.

لذلك أني أرى وأذهب إلى ما ذهب إليه الإخوة الأفاضل من أن العملة الورقية تقوم الآن مقام الذهب والفضة وبالتالي ينبغي ألا ننجر إلى تغيير قيمة العملة لما ذكر البعض الآخر. وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>