للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع

أسباب ملك والمنفعة

يستفاد ملك المنفعة بأسباب أربعة: الوصية والإجارة والإعارة والوقف.

أولًا – الوصية:

اتفق الفقهاء الأربعة على جواز الوصية بالمنافع، وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة والظاهرية ببطلان الوصية بالمنافع.

قال ابن رشد: "اختلفوا في المنافع، فقال جمهور فقهاء الأمصار: ذلك جائز ". وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأهل الظاهر: الوصية بالمنافع باطلة، ثم ذكر مبنى الخلاف في أن عمدة الجمهور: أن المنافع في معنى الأمول، وإن لم تكن مالًا عند الحنفية إلا أنه يجوز تمليك المنفعة في حال الحياة بطريق الإجارة والإعارة فيكون جائزًا الوصية بها.

وعمدة الطائفة الثانية: أن المنافع منتقلة إلى ملك الوارث؛ لأن الميت لا ملك له فلا تصح له وصية بما يوجد في ملك غيره، فالمنافع معدومة ولا تصح الوصية بمعدوم، وإلى هذا القول ذهب أبو عمر بن عبد البر " (١) .

مذاهب الفقهاء:

ذهب الحنفية إلى جواز الوصية بالمنفعة، وتنتهي بموت الموصى له، ثم تنتقل إلى ورثة الموصي، وقد بنى الحنفية رأيهم في المنفعة ههنا على أصلهم من أن ملك المنفعة ثبت مؤقتًا لا مطلقًا، وعليه فصلوا: فإن كانت الوصية مؤقتة إلى مدة تنتهي بانتهاء المدة، ويعود ملك المنفعة إلى الموصى له بالرقبة إن كان قد أوصى بالرقبة إلى إنسان آخر، وإن لم يكن قد أوصى بالرقبة إلى آخر يعود إلى ورثة الموصى.

وإن كانت مطلقة تثبت إلى وقت موت الموصى له بالمنفعة، ثم ينتقل إلى الموصى له بالرقبة إن كان هنا موصى له بالرقبة، وإن لم يكن ينتقل إلى ورثة الموصي.

جاء في الدر وحاشيته: "صحت الوصية بخدمة عبده وسكنى داره مدة معلومة وأبدًا، ويكون محبوسًا على ملك الميت في حق المنفعة. كما في الوقف حيث يستوفى منافع الوقف على حكم ملك الواقف، فإن خرجت رقبة العبد والدار في الوصية بالخدمة والسكنى، سلمت إلى الموصى له، وإلا تقسم الدار أثلاثًا (٢) .

ثم قال: "وبموت الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية، وبعد موته يعود خدمة العبد وسكنى الدار إلى ورثة الموصي بحكم الملك، ولا يعود إلى ورثة الموصى له" (٣) .


(١) بداية المجتهد: ٢/٣٣٣؛ والمغني، والشرح الكبير: ٦/١٢٧.
(٢) حاشية ابن عابدين: ٥/٤٤٣، بتصرف؛ والبدائع: ١٠/٤٩٦١، مطبعة الإمام.
(٣) حاشية ابن عابدين: ٥/٤٤٢، بتصرف؛ والبدائع: ١٠/٤٩٦١، مطبعة الإمام. أما بالنسبة لتصرف الموصى له فيقول ابن عابدين: "وليس للموصى له الخدمة والسكن أن يؤجر العبد أو الدار، لأن المنفعة ليست بمال، إنما صح للمالك أن يؤجر ببدل لأنه ملكها تبعًا لملك العين، والمستأجر إنما ملك أن يؤجر مع أنه لا يملك إلا المنفعة، لأنه لما ملكها بعقد معاوضة كانت مالًا بخلاف ملكها بعقد تبرع. فعلى أصل الحنفية إذا ملكها بعوض كان مملكًا أكثر مما ملكه وهو لا يجوز. انظر حاشية ابن عابدين: ٥/٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>