ومن هنا يتبين أن العلاقة القائمة بين تلك الصنعة المتميزة واسمها الذي اختير لها، إنما هي في الحقيقة تحصين للعلاقة القائمة فعلًا بين تلك البضاعة والصانع أو التاجر الذي استقل بإبداعها أو بإخراجها بصفاتها المتميزة.
وهذه العلاقة في الحقيقة من نوع العلاقة التي بين المؤلف والأفكار العلمية التي استقل بإبداعها، على نحو ما سبق بيانه. فكما أن نسبة تلك الأفكار إلى صاحبها حق شرعي لا يجوز إنكاره ولا التطاول عليه، فكذلك ثمرة الجهد العضلي أو الصناعي حق شرعي لصاحبه لا يجوز إنكاره أو العدوان عليه. إلا أن المؤلفات العلمية تكون محصنة في العادة ضد أي انتحال، بكتابة أسماء مؤلفيها عليها. في حين أن البضائع المصنعة تنقطع نسبتها إلى المعمل الذي تم تصنيعها فيه، بمجرد طرحها في السوق فكان الشعار التجاري أو " الماركة " المسجلة عليها كالبديل عن ذكر اسم المؤلف وتسجيه على الكتاب.
ونظرًا إلى الاسم التجاري كان رمزًا لهذا الحق الذي يعود إلى صاحب الصنعة والإبداع، فقد اقتضى العرف التجاري أن يكون الشعار الذي يعتمده لبضاعته حقًا مكتسبًا له، لا مجال للازدواج أو التنافس فيه، لا مجرد تسمية وتعريف لذات السلعة من حيث هي عين مادي. وقد علمنا آنفًا أن الحق كما يتعلق بالأعيان المادية من سلع وغيرها، على وجه التملك والاختصاص، فهو يتعلق أيضًا بالجهد المعنوي والطاقة الإبداعية التي تتعلق بالأفكار أو الصناعات.
وتعود فائدة هذا الاختصاص إلى جهتين اثنتين:
الجهة الأولى: التاجر، وتتمثل الفائدة التي ينالها في مزيد من الإقبال إلى بضاعته ومن نتائج ذلك تحقق المزيد من أرباحه وفاعليته التجارية.
الجهة الثانية: المستفيد أو المستهلك، وتتمثل فائدته في تيسير الطريق أمامه إلى الوصول لما قد يبحث عنه من الجودة والإتقان. ولا شك أننا نقرض في هذا كله الصدق في مساعي التاجر وجهوده ودعوى سعيه إلى الإتقان.
وإذا كان هذا هو العرف التجاري السائد، فإن ذلك يكون بدوره مصدرًا لثبوت معنى الحق الشرعي الذي عرفه صاحب كشف الأسرار بأنه " موجود من كل وجه تتعلق به مصلحة خاصة عائدة لمن ينسب إليه "(١) ، وقد علمنا فيما مضى أن العرف مرجع أساسي في تثبيت الحقوق الشرعية.
وبناء على ذلك نقول: إن الاسم التجاري حق تتعلق به مصلحة خاصة عائدة لصاحب السلعة ومن ثم فهو يعطي صاحبه مزية الحصر والاختصاص.