المسألة الثانية – هل ينطوي هذا الحق على منفعة قيمية أو ثمرة مالية؟ :
وبتعبير آخر: أيعد حق الاسم التجاري – بعد ثبوته – من الحقوق المالية المتقررة، أم من الحقوق المجردة غير المالية؟
ونقول في الجواب: لا ريب أن مصدر هذا الحق هو الجهد الذهني مضافًا إليه النشاط الحركي والعضلي، وهو شيء ثابت ومستقر في كيان صاحب الحق ذاته؛ غير أن لهذا الجهد الذهني ثمارًا تنفصل عنه لتستقر في سلعة أو بضاعة منفصلة عنه، بحيث يمكن استيفاؤها والانتفاع بها وتقديرها. وبذلك تصح هذه الثمار ذات كيان ووجود مستقل، وأثر ظاهر في المصلحة العامة. ومن ثم نشأت عنها قيمتها المالية التي أخضعتها لقانون التداول (١) .
وكما أن السلع والبضائع تعد بحد ذاتها أموالًا متقومة خاضعة للمعاوضة والتداول، فإن الأجهزة والأدوات التي تستخدم في إنتاجها تعد هي الأخرى أموالًا متقومة.
وإذا ثبت هذا، فلا فرق بين أن تكون هذه الأجهزة والأدوات وسائل وأسبابًا مادية، وأن تكون جهودًا وابتكارات ذهنية، أي فكما تكون الأجهزة المادية ملكًا لأصحابها فكذلك جهودهم الفكرية وطاقتهم الإبداعية، ينبغي أن تكون هي أيضًا ملكًا لأصحابها، على نحو ما مر بيانه في مسألة حق التأليف؛ ونظرًا إلى أن هذه الطاقات الإبداعية أمور معنوية بحد ذاتها، فقد اقتضت الضرورة إحرازها وحصرها عن طريق تحصينها في الاسم التجاري.
وهكذا يتضح أن حق الاسم التجاري كناية عن السياج الذي يحصر سائر الفوائد المالية والاعتبارية التي جاءت ثمرة المزايا التي استقل بها التاجر في بضاعته، عن طريق ما بذل من الجهد الفكري والنشاط الحركي، كي لا تتبدد أو تتحول إلى غيره.
أي أن الاسم التجاري عنوان على السر الذي تمتاز بها به بضاعة ما، إذ يعطيها ذلك مزيدًا من القيمة ويضمن مزيدًا من الإقبال عليها والرغبة فيها. فهو في الحقيقة كناية عن منفعة مالية متقومة، داخلة تحت سلطان المعاوضة وخاضعة لقانون الاختصاص.
(١) انظر " حق الابتكار في الفقه الإسلامي "، للدكتور فتحي الدريني وفئة من العلماء: ص ٦٠، و٦١.