للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما صيغة الاستئجار فالشأن فيه كأي عقد استئجار على التعليم من العلوم الدينية أو الدنيوية، بأجر معين. وإنما يملك المتعلم الصنعة التي تعلمها تحت سلطان هذا الاستئجار الشرعي.

أما نقل الاسم التجاري في هذه الحالة، فينبغي أن يكون خاضعًا للاتفاق الذي يتم بين الطرفين إذ الاستئجار عقد على منفعة لا على عين، والمنفعة هنا يمكن انفكاكها عن العين، إذ هي لا تعدو أن تكون تعليمًا أو تدريبًا على عمل. ولكن إذا تم الاتفاق على تنازل صاحب الحق عن الاسم التجاري للطرف الآخر، ضمن عقد الاستئجار أو ضمن اتفاق مستقل، فلا أرى ما يمنع من ذلك.

الطريقة الثانية: ما يجري عادة بين بعض التجار أو الشركات التجارية، من شراء الاسم التجارية للسلعة دون أي التزام من البائع بتقديم خبرة أو الكشف عن أسرار الصنعة. وإنما يكون هذا الشراء تنازل البائع عن الاسم الذي كان مسجلًا لسلعته والذي كان من حقه هو، بحيث يتمكن المشتري من جعله شعارًا لسلعته المشابهة، وتكون الفائدة المرجوة للمشتري من ذلك رواج سلعة تحت هذا الاسم، إذ كان الاسم التجاري الذي اشتراه ذا شهرة وثقة في الوسط التجاري أو لدى عامة الناس. فما حكم هذا العقد؟

من الثابت يقينًا أن هذا الشراء لا يتحقق له أي مضمون. ذلك لأن المزايا التي عرفت بها السلعة والتي هي المضمون المراد من الشعار الجاري، ستظل ثابتة للسلعة الأصلية ذاتها، وستظل وثيقة الارتباط بها، مهما انفصل عنها اسمها أو شعارها التجاري ليلتصق بسلعة أخرى مشابهة. إذ إن هذه المزايا إنما هي ثمرة جهود صاحبها ونشاطه الفكري أو الصناعي الممتاز، فهي متعلقة به من حيث الجهد، متجلية في صناعته من حيث الصورة والمظهر. وهيهات أن تنفك هذه العلاقة عنه وعنها مهما باع أو تصرف في رمزها التجاري.

كل ما يمكن أن يحدثه نقل هذا الرمز التجاري من تاجر إلى آخر، بعقد كهذا، هو التغرير والتدليس! ... أي إن هذا العقد منطو على غرر بالغ فيما يتعلق بالصلة بين المشتري والبائع، ومنطو على التدليس والخداع فيما يتعلق بالصلة ما بين المشتري وعامة الناس الذين سيتحولون إليه، بحثًا عن الجودة التي آل إليه شعارها.

والقاسم المشترك في التعريفات المتعددة والمتنوعة للغرر أنه كل عقد لا يوثق بحصول العوض فيه (١) وتعبير آخر: هو ما شك في حصول أحد عوضيه أو المقصود منه غالبًا (٢) ، وهو منطبق على موضوع بحثنا هذا بهذه الطريقة الثانية كما ترى.

والمعروف أن مرد الغرر إلى الجهالة بأحد طرفي العقد: الثمن أو المثمن. والجهالة تتفاوت في درجات كثيرة حصرها الإمام القرافي في سبع درجات. ومن المتفق عليه أن أفحشها وأخطرها ما يسمى بالغرر في الوجود والغرر في الحصول. وأشدهما الغرر في الوجود. ويمثلون له بالبعير الشارد الذي يشك في وجوده، ويليه الغرر في الحصول، ويمثلون له ببيع الطير في الهواء والسمك في الماء، أي في الماء غير المحصور في الأحواض ونحوها.

ولا نعلم خلافًا في بطلان العقد المنطوي على أي من هذين الغررين (٣) .


(١) انظر حاشية قليوبي وعميرة على المحلى على شرح المنهاج: ٢ / ٥٨.
(٢) مواهب الجليل: ٤ / ٣٦٢.
(٣) انظر الفرق، للقرافي: ٣ / ٢٥؛ وبدائع الصنائع: ٥ / ١٥٧ و ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>