للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا النوع من التعامل أقره متأخرو المالكية وأفتى به الشيخ ناصر الدين اللقاني على مانقله الشيخ عليش في فتاويه ونصها: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في خلوات الحوانيت التي صارت عرفًا بين الناس في هذه البلدة وغيرها، وبذل الناس في ذلك مالًا كثيرًا حتى وصل الحانوت في بعض الأسواق أربعمائة دينار ذهبًا، فهل إذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه يوفى ذلك من خلو حانوته؟ فأجاب: " نعم، إذا مات شخص وله وارث شرعي يستحق خلو حانوته عملًا بما عليه الناس. وإذا مات من لا وارث له يستحق ذلك بيت المال، وإذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه، فإنه يوفى من خلو حانوته والله سبحانه أعلم بذلك " (١) ، ولم تكن إباحة حق الخلو خاصة بالمذهب المالكي، فقد قال الحموي في شرح الأشباه والنظائر: " وقد اشتهرت نسبة مسألة الخلو إلى مذهب عالم المدينة مالك بن أنس والحال أنه ليس فيها نص عنه ولا عن أحد من أصحابه حتى قال البدر العراقي: إنه لم يقع في كلام الفقهاء التعرض لمسألة الخلو فيما أعلم، وإنما فيها فتيا للعلامة ناصر الدين اللقاني المالكي بناها على العرف وخرجها عليه وهو من أهل التخريج فيعتبر تخريجه وإن نوزع فيه وقد اشتهرت فتياه في المشارق والمغارب وتلقاها علماء عصر بالقبول وهبت عليها نسميات الصبا والقبول " (٢) .

ويقول الشيخ ابن عابدين: نقلًا من فتاوى العلامة عبد الرحمن العبادي " ولكن لا ينبغي أن يفتى باعتبار العرف مطلقًا خوفًا من أن ينفتح باب القياس عليه في كثير من المنكرات والبدع، نعم يفتى به فيما دعت إليه الحاجة وجرت به في المدد المديدة العادة وتعارفه الأعيان بلا نكير كالخلو المتعارف في الحوانيت، وهو أن يجعل الواقف أو المتولي أو المالك على الحانوت قدرًا معينًا يؤخذ من الساكن ويعطيه به تمسكًا شرعيًا، فلا يملك صاحب الحانوت بعد ذلك إخراج الساكن الذي ثبت له الخلو ولا إجارتها لغيره مالم يدفع له المبلغ المرقوم فيفتى بجواز ذلك قياسًا على بيع الوفاء الذي تعارفه المتأخرون احتيالًا عن الربا "، ثم قال: " في مجموع النوازل: اتفق مشايخنا في هذا الزمان على صحته بيعًا لاضطرار الناس إلى ذلك، ومن القواعد الكلية: إذا ضاق الأمر اتسع حكمه فيندرج تحتها أمثال ذلك مما دعت إليه الضرورة " (٣) .

وموضوع الأصل التجاري أو المحل الجاري الذي هو موضوع بحثنا وصدرت فيه قوانين وضعية ضبطت عناصره وحدوده ليس بالموضوع الجديد على المجتمعات الإسلامية لأنه موضوع بحث كذلك عند علماء الفقه بحثًا مستفيضًا بغير هذه المصطلحات الجديدة.

فالقانون الوضعي أمام رغبة مالك العقار الذي يطالب بحرية التصرف والانتفاع بعقاره حسب البنود التي وقع الاتفاق عليها في العقد الذي يوجب انتهاء تصرف المستأجر بانتهاء المدة وبموجب ذلك فلا حق له في البقاء في المحل في أي حال من الأحوال.

وبين رغبة المستأجر الذي استكملت عنده عناصر الأصل التجاري الأصلية المادية والمعنوية والذي يدعي أن إخراجه من المحل عند انتهاء المدة يلحق به ضررًا فادحًا لأن المحل الذي استأجره جهزه تجهيزًا يتناسب مع سمعته وطاقة استيعابه وهذا التجهيز لا يصلح لغير هذا المحل وأنه من ناحية أخرى أكسب المحل شيئًا جديدًا له قيمة تجارية معتبرة تفوت بفوات هذا المحل، وهي السمعة التجارية والاسم التجاري والملكية الصناعية والرخص والإجازات وأن خروجه يضيع عليه كل هذه الحقوق التي اكستبها بعد جهود وأتعاب ونفقات باهظة زيادة على ما يعتبره رجال القانون التجاري من أن استقرار التاجر في عمله ضمان لحلقات النمو التجاري في البلاد وأن إخراجه تفويت لهذه المصلحة العامة.


(١) فتاوى الشيخ عليش فتح العلي المالك: ٢/١٦٦.
(٢) الأشباه والنظائر: ص ١٩٧ لابن نجيم.
(٣) ٤/١٧ من خاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>