أفيمكن أن يكون هذا الاجتهاد محضا أم أنهم أخذوه وفهموه من الرسول صلى الله عليه وسلم؟
أليسوا هم أدرى وأعلم بما أحل صلى الله عليه وسلم وبما حرم؟
والمضاربة ليست هي الشركة الوحيدة في الإسلام، فلننظر إلى الشركات المماثلة. قال ابن تيمية رحمه الله:
" والمزارعة مشاركة، هذا يشارك بنفع بدنة، وهذا بنفع ماله، وما قسم الله من ربح كان بينهما كشريكي العنان ".
ثم قال: " والمساقاة والمزارعة والمضاربة هما يشتركان في جنس المقصود، وهو الربح، مستويان في المغنم والمغرم، أن أخذ هذا أخذ هذا , وإن حرم هذا حرم هذا. ولهذا وجب أن يكون المشروط لأحدهما جزءا مشاعا من الربح من جنس المشروط للآخر، وأنه لا يجوز أن يكون مقدرا معلوما، فعلم أنها من باب المشاركة، كما في شركة العنان , فإنهما يشتركان في الربح.
ولو شرط مال مقدر من الربح، أو غيره: لم يجز. وهذا هو الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المخابرة، كما جاء ذلك مفسرا في صحيح مسلم وغيره، عن رافع بن خديج، أنهم كانوا يكرون الأرض، ويشترطون لرب الأرض زرع بقعة بعينها كما تنبت الماذيانات والجداول، فربما سلم هذا ولم يسلم هذا.
ولهذا قال الليث بن سعد: أن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المخابرة أمر إذا نظر فيه ذو البصر بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز. وهذا من فقه الليث الذي قال فيه الشافعي: كان الليث أفقه من مالك فإنه بين أن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم موافق لقياس الأصول؛ لما فيه من أن يشترط لأحد الشريكين شيء معين من الربح. والشركة حقها العدل بين الشريكين فيما لهما من المغنم وعليهما من المغرم، فإذا خرجت كان ظلما محرما ".
(مجمعوع الفتاوى ٣٠/٢٢٥ – ٢٢٦) .
قال ابن تيمية في موضع آخر:
" في المزارعة ... يشتركان في المغنم وفي الحرمان كما في المضاربة، فإذا حصل شيء اشتركا فيه، وإن لم يحصل شيء اشتركا في الحرمان، وكان ذهاب نفع مال هذا في مقابلة ذهاب نفع بدن هذا. ولهذا لم يجز أن يشترط لأحدهما شيء مقدر من النماء، لا في المضاربة، ولا في المساقاة، ولا في المزارعة؛ لأن ذلك مخالف للعدل، إذ قد يحصل لأحدهما شيء والآخر لم يحصل شيء، وهذا هو الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي روي فيها أنه نهى عن المخابرة، أو عن كراء الأرض، أو عن المزارعة، كحديث رافع بن خديج وغيره: فإن ذلك قد جاء مفسرا بأنهم كانوا يعملون عليها بزرع بقعة معينة من الأرض للمالك، ولهذا قال الليث بن سعد: أن الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك أمر إذا نظر فيه ذو علم بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز ".
(مجموع الفتاوى ٢٥/١٦ – ٦٢) .