قال ابن القيم رحمه الله:" المزارعة من جنس الشركة، يستويان في الغنم والغرم، فهي كالمضاربة ". وقال:" أصحاب الأرض كثيرا ما يعجزون عن زرعها ولا يقدرون عليه، والعمال والأكر يحتاجون إلى الزرع، ولا أرض لهم، ولا قوام لهؤلاء ولا هؤلاء إلا بالزراع، فكان من حكمة الشرع ورحمته بالأمة وشفقته عليها، ونظره لهم: أن جوز لهذا أن يدفع أرضه لمن يعمل عليها، ويشتركان في الزرع: هذا بعمله، وهذا بمنفعة أرضه، وما رزق الله فهو بينهما، وهذا في غاية العدل والحكمة، والرحمة والمصلحة.. كما في المضاربة والمساقاة ".
(عون المعبود شرح سنن أبي داود ٩/٢٥٩، ٢٦٠ – شرح الحافظ ابن القيم الجوزية بالحاشية) .
المساقاة والمزارعة إذن شركتان كالمضاربة، فماذا جاء فيهما من النص؟
في نيل الأوطار تحت كتاب المساقاة والمزارعة جاءت عدة روايات، منها: ما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع". وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر سألته اليهود أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمر، فقال لهم:((نقركم بها على ذلك ما شئنا)) .
وما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخل، قال:((لا)) . فقالوا: تكفونا العمل ونشرككم في الثمرة، فقالوا: سمعنا وأطعنا.
وما ذكره البخاري تعليقا ووصله عبد الرازق عن أبي جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع.
وهذه الروايات وغيرها تؤيد ما ذكره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم من قبل، ولكن إذا شرط أحد الشريكين شيئا لنفسه، فما حكم العقد؟