بعد الموضوع السابق من نيل الأوطار نجد "باب فساد العقد إذا شرط أحدهما لنفسه التبن أو بقعة بعينها ونحو" (٥ – ٣٠٩) .
وتحت هذا الباب نقرأ ما يلي:
عن رافع بن خديج قال: "كنا أكثر الأمصار حقلا، فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأما الورق فلم ينهنا". أخرجاه.
وفي لفظ: "كنا أكثر أهل الأرض مزدرعا، كنا نكري الأرض بالناحية منها تنمي لسيد الأرض، قال: فربما يصاب ذلك فتسلم الأرض، وربما تصاب الأرض ويسلم الأرض، فنهينا، فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ". رواه البخاري.
وفي لفظ قال: "إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله بما على الماذيانات وأقبال الجداول , وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كري إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به". رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
وفي رواية عن رافع قال: "حدثني عماي أنهما كانا يكريان الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله بما ينبت على الأربعاء وبشيء يستثنيه صاحب الأرض، قال: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم عن ذلك". رواه أحمد والبخاري والنسائي.
وفي رواية عن رافع "أن الناس كانو يكرون المزارع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم بالماذينانات وما يسقي الربيع وشيء من التبن، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم كرى المزارع بهذا ونهى عنها". رواه أحمد.
(الماذيانات: هي ما ينبت على حافة النهر ومسايل المياه، وهي في الأصل مسايل فسمى النابت عليها باسمها. الجدول والربيع: أي النهر الصغير، والجمع جداول وأربعاء) .
من الروايات السابقة نرى فساد العقد إذا جعل لأحد الشريكين شيء معين، والحكمة هنا واضحة، وإن كان النص يتصل بالمزارعة والمساقاة، فكلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم واضح كل الوضوح، فلعل هذا النص كان أصلا أخذ به في المضاربة. وقد أشار إلى هذه الروايات المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الرحمن تاج في بحث قدمه للمؤتمر السابع لمجمع البحوث الإسلامية، ثم قال:
"ومن هذا كله يتبين: أن اشتراط جزء معين من الخارج لصاحب الأرض في المزارعة لا يجوز، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه؛ لما يترتب عليه من الظلم، وعدم العدل بين الشريكين: صاحب الأرض، والعامل فيها، لجواز ألا تخرج الأرض غير ما اشترطه الأول لنفسه، فيضيع عمل العامل وجهده، على حين ينتفع الشريك الآخر وحده. فأما كراء الأرض بالذهب، أو الفضة، أو بشيء غيرهما ومضمون في الذمة، فلا شيء فيه ".