هذا هو ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورواه أئمة الحديث: البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي، بألفاظ متحدة أو متقاربة، ولا يسع الفقهاء من مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، إلا أن يتبعوه ويقولوا به في المزارعة والمساقاة والمضاربة وسائر الشركات، فإن اشترط جزء معين من ربح ذلك وثمراته لأحد المتعاقدين، قد يؤدي إلى المعنى الذي من أجله ورد النهي، فإنه يخل بالمقصود من العقد، وهو الاشتراك في النتائج والثمرات.
وإذا كان اشتراط جزء معين من الخارج، لصاحب الأرض في المزارعة، قد حظرته الشريعة ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لما فيه من الظلم والغبن بأحد الشريكين المتعاقدين على الاشتراك في الربح والخسارة، فلماذا يرد في وجه الأئمة الفقهاء قولهم بلزوم خلو العقد من ذلك الاشتراط الجائر الظالم؟ وهو لم يقولوه إلا تطبيقا للسنة الصحيحة وعملا بما تدل عليه نصوصها الصريحة! وكيف يسوغ من مطلع على نصوص الشريعة ومواردها، أن يقول اشتراط ربح محدود لرب المال في المضاربة: أنه جائز، غير مخالف لكتاب ولا سنة، وإن كان فيه مخالفة لأقوال الفقهاء؟ أو لا يكفي النص على حظر ذلك الاشتراط ومنعه في المزارعة، فيعلم أنه محظور وممنوع في المضاربة والمساقاة وغيرهما ممن فروع الشركات؟ وهل من حسن الظن بالشريعة العادلة أن يقال:" أنها تمنع من الظلم والجور في شركة المزارعة، وتبيح ذلك كله في شركة القراض " اهـ.
وقال الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه " الحلال والحرام "(ص٢٦٢) :
"هذا الشرط المفسد للمزارعة بالنص الصريح، هو في رأيي أصل لإجماع الفقهاء على الاشتراط في المضاربة ألا يحدد نصيب لأحدهما يضمنه على كل حال، ربحت الصفقة أم خسرت. وتعليلهم فساد المضاربة هنا كتعليلهم فساد المزارعة هناك، فهم يقولون: إنه إذا شرط أحدهما دراهم معلومة احتمل ألا يربح غيرها فيحصل على جميع الربح، واحتمل ألا يربحها. وهذا تعليل موافق لروح الإسلام الذي يبني كل معاملاته على العدالة المحكمة الواضحة ".
من هذا نرى تعدد الأدلة التي تبين بطلان عقد المضاربة إذا جعل لأي من الشريكين نصيب معلوم، فإلى جانب هذه الأحاديث الشريفة توجد السنة التقريرية والإجماع. غير أن المضاربة مع هذا الشرط الباطل لا تخرج عن كونها شركة، أما ودائع البنوك فليست من الشركة الصحيحة أو الباطلة، فعلاقة المودع والبنك لا تحرج عن كونها علاقة دائن ومدين.