ولنقرأ معا ما جاء في صحيح البخاري:
" إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه، فيقول الزبير: لا، ولكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة ".
(راجع صحيح البخاري – كتاب فرض الخمس – باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا، مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر) مما رواه الإمام البخاري ترى أن الذين جاءوا بهذه الأموال أرادوا حفظها عند الزبير، أي أن تكون وديعة، فطلب منهم أن تكون سلفا لا وديعة وذكرنا الفرق بين الوديعة والقرض: فالوديعة لا يضمنها المودع لديه والقرض يضمنها المقترض، ولذلك قال الزبير: فإني أخشى عليه الضيعة، أي أنه طلب أن يكون ضامنا للمال باعتباره قرضا، ويقابل هذا الضمان أن يكون من حقه الاستفادة من هذا المال المقترض، فيحفظه بماله في التجارة وغيرها، أما الوديعة فتبقى كما هي لا يستفاد منها.
ونترك تركة الزبير ودينه مؤقتا ونأتي إلى حكم من الأحكام الفقهية وهو " إقراض الولي مال اليتيم":
مما جاء تحت هذا العنوان في معجم الفقه الحنبلي (٢/١٠٧٦) : لا يجوز للولي إقراض مال اليتيم إذا لم يكن فيه حظ له، فمتى أمكن الولي التجارة به، أو تحصيل عقار له فيه الحظ لم يقرضه، وإن لم يكن ذلك وكان في إقراضه حظ لليتيم جاز، ومعنى الحظ أن يكون لليتيم مثلا مال يريد نقله إلى بلد آخر، فيقرضه لرجل ليقضيه بدله في البلد الآخر، بقصد حفظه من الغرر في نقله، أو يخاف عليه الهلاك من نهب أو غرق أو نحوهما أو يكون مما يتلف بتطاول مدته، أو يكون حديثه خيرا من قديمه كالحنطة.
فإن لم يكن فيه حظ وإنما قصد إرفاق المقترض وقضاء حاجته فهذا غير جائز، وإن أراد الولي السفر، لم يكن له المسافرة بمال اليتيم، وإقراضه حينئذ لثقة أمين أولى من إيداعه؛ لان الوديعة لا تضمن.. ولا يجوز قرضه إلا لمليء – أي غني – أمين. (وانظر المغني ٤/٢٩٥) .
من هذا يتضح أن الغاية من إقراض مال اليتيم الرفق باليتيم لا بالمقترض، ومصلحة اليتيم لا مصلحة المقترض، والمراد الإيداع، غير أن الوديعة لا تضمن ففضل الإقراض لغني أمين حتى يحفظ المال لصالح اليتيم لا لصالح الغني.
لعل من هذين المثلين يتضح المراد، فلم يكن الزبير فقيرا يستقرض، بل كان من أصحاب الملايين، له ممتلكات في المدينة والعراق ومصر وغيرها، وأراد المودعون حفظ أموالهم لا الرفق بالزبير، وتحول العقد من وديعة إلى قرض، فكل عقد له ما يميزه عن غيره، وإقراض مال اليتيم لحفظه أيضا، فهو لمصلحة اليتيم لا لمصلحة المليء الغني.
وما دام العقد عقد قرض فلا يحل أخذ زيادة على رأس المال وإلا كان من ربا النسيئة.
فمن أراد الإيداع لحفظ المال مع الضمان فالإيداع هنا قرض مضمون، كإقراض المودعين للزبير، وإقراض مال اليتيم للغني المليء.
ومن أراد الإيداع للاستثمار عن طريق الفائدة المحددة كودائع البنوك الربوية وشهادات الاستثمار، فالإيداع هنا عود للقرض الإنتاجي الربوي الذي كان شائعا في العصر الجاهلي.
ومن ساعد المحتاج، وفرج كربته، وأقرضه قرضا حسنا، جزاه الله سبحانه وتعالى أحسن الجزاء، وفرج عنه كربة من كرب يوم القيامة، وهذا هو عقد الإرفاق.
إذن ليس القرض في جميع حالاته عقد إرفاق، وإنما هو في الأصل عقد إرفاق وقد يخرج عن هذا الأصل.