للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده – عن أبي داود والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك)) (١) ، أي ما ليس ملكك وقدرتك.

جاء في نيل الأوطار: ٥ /١٥٥، في شرحه لـ ((لا تبع ما ليس عندك)) : قال البغوي: النهي في هذا الحديث عن بيع الأعيان التي لا يملكها. أما بيع موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه، فلو باع شيئًا موصوفًا في ذمته عام الوجود عن المحل المشروط في البيع جاز، وإن لم يكن المبيع موجودًا في ملكه حالة العقد كالسلم.

قال: وفي معنى ((ما ليس عندك)) في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله ...

ثم قال الشوكاني: (وظاهر النهي تحريم بيع ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلًا تحت مقدرته، وقد استثنى من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم، وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض) .

وقال الصنعاني في سبله: ٢/٣٣٤، دل حديث حكيم بن حزام على أنه لا يحل بيع الشيء قبل أن يملكه –كما ذكرنا آنفًا-.

النتيجة:

ومن هذا يتبين لنا أنه لا يصح أن يبيع الإنسان شيئًا لا يدخل في ملكه وقدرته وقت التعاقد. وهذا يوضح لنا أنه إذا باع المصرف شيئًا للعميل، وكان هذا الشيء غير داخل في ملك المصرف، أو غير مملوك له، كان بيعه غير صحيح استنادًا إلى هذه الأحاديث الصحيحة، وهذا الحكم متفق عليه، واستثنى السلم إذا توافرت شروط صحته، والموضوع الذي معنا ليس من السلم...

وكذلك لا يجوز إجارة عين غير مملوكة للمؤجر، وذلك لأن الإجارة تمليك لمنافع العين بعوض، وهذا التمليك يستدعي أن تكون العين مملوكة لمن يملك منفعتها بعوض، فإذا كان مالك لها صح تأجيرها، أي بيع منفعتها، وإلا لم يصح له تأجيرها، فحكمها حكم البيع (٢) .


(١) رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم، وأخرجه الحاكم في علوم الحديث من رواية أبي حنيفة، عن عمرو المذكور بلفظ: نهي عن بيع وشرط، ومن هذا الوجه الذي أخرجه الحاكم، أخرجه الطبراني في الأوسط وهو غريب. وقد رواه جماعة واستغربه النووي. سبل السلام: ٢/٣٣٤.
(٢) الحنفية: (قال شمس الأئمة السرخسي إنما يشترط الملك والوجود للقدرة على التسليم، وهذا لا يتحقق في المنافع، لأنها عرض لا تبقى زمانين، فلا معنى للاشتراط، فأقمنا العين المنتفع بها مقام المنفعة في حق إضافة العقد إليها ليترتب القبول على الإيجاب ...، ويبدأ بتسليم المعقود عليه ليتمكن من الانتفاع ...) الاختيار: ١/٢٢٢. الشافعية: جاء في مغني المحتاج: ٢/٢٢٢: (ويشترط في المنفعة كون المؤجر قادرًا على تسليمها حسًّا أو شرعًا ليتمكن المستأجر منها، والقدرة على التسليم تشمل ملك الأصل، وملك المنفعة) . الحنابلة: جاء في كشاف القناع: ٢ /١١ في شروط صحة عقد البيع الشرط الرابع أن يكون المبيع مملوكًا لبائعه –وقت التعاقد، وكذا الثمن- ملكًا تامًّا لقوله عليه السلام، لحكيم بن حزام: (لاتبع ما ليس عندك) رواه ابن ماجه والترمذي وصححه. أو مأذونًا له في بيعه وقت إيجاب وقبول ... (ولا يصح بيع شيء معين لا يملكه ليشتريه ويسلمه، لحديث حكيم السابق، بل يصح بيع موصوف مما يكفي في السلم غير معين، ولو لم يجد في مثله بشرط قبضه – أي الموصوف، أو قبض ثمنه – في مجلس العقد، وإلا لم يصح لأنه بيع الدين بالدين. والشرط الخامس أن يكون المبيع ومثله الثمن مقدورًا على تسليمه حال العقد، لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم، والمعدوم لا يصح بيعه، فكذا ما أشبهه. الزيدية: جاء في شرح الأزهار: ٣/٢٤٧:) وحقيقة أجرة المنافع: عقد على تحصيل منفعة معلومة في عين موجودة معلومة بأجرة معلومة ... فمن شروط صحتها تعيين العين المؤجرة كالمبيع ... وكون المؤجر مالكًا للشيء المؤجر أو وليًّا من قبل المالك له) . الإمامية: جاء في المختصر النافع: ص١٧٦: (ويشترط لصحة الإجارة ... وأن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر، أو لمن يؤجر عنه...) .

<<  <  ج: ص:  >  >>