للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الله عز وجل عندما حرم الربا في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لم يستثن منه ما كان غير مجهد للمقترض وغير مستغل له، وإنما بين رسوله صلى الله عليه وسلم تحريم ربا الجاهلية كله، ومنع أي أحد من أن يأخذ درهما واحدا زيادة عن رأس المال، وحذر من بشاعة جريمة درهم واحد من الربا حتى جعله أشد من الزنا الذي تشمئز منه النفوس الطاهرة.

ولو جاز ما يقوله الأستاذ لأحل لعمه العباس أخذ القليل الذي لا يجهد ولا يستغل، ولأحل هذا أيضا للقبائل التي احتكمت إليه في خلاف حول بقايا الربا، ولنظمت حياة الناس على أساس التعامل بهذا النوع من الربا، ولكن الكتاب والسنة نطقا بغير ما نطق به الأستاذ.

وقوله بأن المقرض أقرض طائعا مختارا، فلا أدري ما الفرق بين هذا وبين التعامل الجاهلي؟ أفكانوا في الجاهلية يجبرون المقرض حتى يقرض رغم أنفه؟! نحن نعرف أثر التراضي في العقود التي لا تصح بغيره، ولكن التراضي لا يحول الحرام إلى حلال، بل أن أكثر جرائم العصر ومنكراته تفعل بالتراضي.

والقول بأن الربا يكون حلالا إذا كان المقترض هو الذي حدد الفائدة يستدعي أن يبين لنا الأستاذ أن كل من قال لغيره: أقرضني بزيادة ربوية كذا فهو حلال! وأن تجار الجاهلية الذين حددوا الفائدة ليتوسعوا في تجارتهم أجبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على إعطاء الزيادة الربوية التي حددوها بأنفسهم! وأن من احتكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسأله: من الذي حدد الفائدة؟ فإن كان المقرض حرمها، وإن كان المقترض أحلها!

أخبرنا يا أستاذ: أحدث شيء من هذا؟ أم ربا الجاهلية كله موضوع؟

ونقف عند ختام حديثه بأن البنك حدد الفائدة على حسب ما أجرى من دراسات وخطط اقتصادية، وأن الفائدة هنا أرباح في الواقع.

وأقول: نحن نعرف وظيفة البنك، تاجر الديوان المرابي، فالفائدة التي يعطيها هي جزء من الربا الذي أخذه من المقرضين، فأين الدراسات والخطط الاقتصادية والأرباح نتيجة التجارة؟ أن ربا الجاهلية كان جله ناتج أرباح تجارية، وهو ما أشرت إليه عند الحديث عن القروض الإنتاجية، ومع هذا نزل التحريم، أما ربا البنوك فهو أسوأ من ربا الجاهلية، وسيأتي بيان هذا عند الحديث عن خلق النقود.

ملحظ أخير يتعلق بقوله: ليس من الحكمة التنازل عن ربح أموالنا المستغلة في التجارة، وأقول: إذا كان هذا الربح نتيجة الاتجار في الديون، فهل من الحكمة أن نأكله؟

لقد أجمعت الأمة على أن الزيادة المشروطة في مقابل القرض والزمن هي من الربا المحرم قطعا، فهذا ربا الديون المحرم بالكتاب والسنة، وهو واضح جلي غني عن البيان غير أني أحب أن أقف هنا أمام شيء آخر غير الزيادة المشروطة وهو مجرد المنفعة للمقرض:

ما حكمها؟

وما أدلة الحكم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>