للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم التسعير:

لا شك أن التسعير تقييد لحرية البائع وعدم اعتبار لرضاه أو سخطه بالقيمة التي يحددها صاحب السلطة. وعنصر الرضا شرط أساسي لسلامة العقود. والضغط على إرادة البائع لبيع سلعته بثمن محدد من إرادة صاحب السلطة إكراه. وأمر السلطان إكراه بالإجماع. إلا أن هذا الإكراه هل هو إكراه بحق فلا إثم فيه أو هو إكراه بغير حق، فالحاكم المسعر آثم. أو المقام مقام تفصيل.

للإجابة على هذا لا غنى عن الرجوع إلى القرآن والسنة: أولًا القرآن

أما القرآن فلا نجد فيه في التسعير إلا الآية العامة التي هي قاعدة من قواعد التعامل يقول الله تعالى ++ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ (١) .

يروي الطبري بسنده إلى السدي ما يلى: (نهى عن أكلهم أموالهم بينهم بالباطل وبالربا والقمار، والنجش والظلم إلا أن تكون تجارة ليربح في الدرهم ألفًا أن استطاع (٢) .

ويقول الشيخ ابن عاشور: ومعنى أكل الأموال بالباطل أكلها بدون وجه، وهذا الأكل مراتب (٣) .

المرتبة الأولى: ما أجمع عليه جميع السامعين مما هو صريح في كونه باطلًا كالغصب والسرقة والحيلة.

المرتبة الثانية: ما ألحقه الشرع بالباطل فبين أنه من الباطل، وقد كان خفيًّا عنهم. وهذا مثل الربا فإنهم قالوا إنما البيع مثل الربا – ومثل رشوة الحكام – ومثل بيع الثمرة قبل بدو صلاحها – ففي الحديث ((أرايت إن منع الله الثمرة بمَ يأخذ أحدكم مال أخيه)) . والأحاديث في ذلك كثيرة قال ابن العربي هي خمسون حديثًا.

المرتبة الثالثة: ما استنبطه العلماء في ذلك مما يتحقق فيه وصف الباطل بالنظر. وهذا مجال للاجتهاد في تحقيق معنى الباطل. والعلماء فيه بين موسع ومضيق مثل ابن القاسم وأشهب من المالكية وتفصيله في الفقه (٤)

فالنهي عن أكل المال بالباطل واشتراط الرضا في التعامل من القواعد العامة التي تتتنزل على الوقائع بالاجتهاد.


(١) سورة النساء: الآية ٢٩
(٢) الطبري: ٨/٣٠
(٣) الطبري: ٨/٣٠
(٤) التحرير والتنوير: ٢/١٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>