للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه آخر من النظر

إن هذه النصوص التي ذكرناها والأدلة المستندة للقواعد التي حللناها يعارضها من ناحية أخرى أدلة وقواعد يمكن الاستناد إليها.

فمن ذلك الاحتكار فقد ورد في الاحتكار أحاديث كثيرة رويت بطرق متعددة تدل على تحريم الاحتكار، فقد روى مسلم قال: كان سعيد بن المسيب يحدث أن عمر بن عبد الله العدوي قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من احتكر فهو خاطئ)) (١) .

ورواه أحمد وأبو داود والترمذي كما روي النهي عن الاحتكار بأسانيد مختلفة يقوي بعضها بعضًا وأصحها هو ما رواه مسلم (٢) .

ومعنى خاطئ أي آثم فالاحتكار - حسب ظاهر حديث مسلم - حرام، مع أن المحتكر إنما تصرف في ماله تصرفًا مشروعًا في أوله، إذ أن صاحبه قد اشترى ما يحل له شراؤه بعقد صحيح، لا ظلم فيه. وبين الإنسان ما دخل في ملكه بعقد صحيح لا يكون إلا برضا المالك عملًا بالآية: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

ونظرًا لهذا التعارض اختلفت أقوال العلماء في الاحتكار:

الحنفية: ذهب أبو حنيفة ومحمد أن الاحتكار المحرم هو في قوت البشر وعن أبي يوسف كل ما أضر بالعامة حبسه. وروى عن محمد أنه في قوت البشر وثيابهم. والمحتكر يأمره القاضي ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله ويزجره، فإذا امتنع أوقف، فإن تمادى حبسه وعززه، وهذا كله إذا كان قد اشترى ذلك من السوق، أما إذا كان من غلة أرضه، أو جلبه من بلد آخر بعيد، فإنه لا يعتبر محتكرًا لعدم تعلق حق العامة (٣) .

المالكية: يقول ابن رشد قد اختلف قول المالكية على أربعة أقوال ـ أحدها: إجارة احتكار الأطعمة كلها القمح والشعير وغير ذلك في الأوقات التي لا تضر الحكرة بالناس. والثاني: المنع من احتكارها كلها جملة ـ والثالث: إجازة احتكارها كلها ما عدا القمح والشعير، والرابع: المنع من احتكارها كلها ما عدا الأدم والفواكه والسمن والعسل والتين والزيت.

وتأول ابن أبي زيد ما ذهب إليه مطرف وابن الماجشون من تحريم احتكار شيء من الأطعمة بأن ذلك في المدينة المنورة لقلة الطعام بها.

ثم يقول ابن رشد: فعلى قوله هم متفقون على أن علة المنع من الاحتكار هو تغلية الأسعار. وإنما اختلفوا في جوازه لاختلافهم باجتهادهم في وجود العلة وعدمها.


(١) إكمال الإكمال: ٤/٣٠٤
(٢) نيل الأوطار: ٥/ ٣٣٥، ٣٣٦
(٣) رد المحتار: ٥/٢٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>