للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن المال كما ينقص ظاهرًا بإخراج الزكاة منه، بحيث تصبح المائة ٩٧.٥، فإنه لا شك ينقص بمقدار ما ينفق منه على حاجات مالكه.

وهذا يحتم على ذي المال القليل أن يربح أكثر، إما بإدارة المال مرات أكثر، أو بزيادة نسبة الربح، حتى يمكن لربحه أن يغطي نفقاته المتجددة، وإلا أكلت النفقة رأس ماله.

وهذا بخلاف ذي المال الكثير، فقد يكفيه القليل من الربح كل ما يحتاج إليه، وزيادة.

هل حددت النصوص نسبة للربح؟

ولكن، إذا كانت السنة قد رغبت في الاتجار بالمال، ليحقق ربحًا ينفق منه، ويبقى رأس المال سالمًا، فهل أشارت السنة إلى تحديد نسبة معينة للربح، يفرضها التاجر على نفسه، أو يفرضها عليه المجتمع، لا يجوز له أن يتعداها؟

الواقع أن المتتبع للسنة النبوية، والسنة الراشدية، وقبل ذلك للقرآن الكريم، لا يجد أي نص يوجب، أو يستحب، نسبة معينة للربح، ثلثًا أو ربعًا أو خُمسًا أو عشرًا، مثلًا يتقيد بها ولا يزاد عليها.

ولعل السر في ذلك أن تحديد نسبة معينة لجميع السلع، في جميع البيئات وفي جميع الأوقات، وفي جميع الأحوال، ولجميع الفئات، أمر لا يحقق العدالة دائما.

فهناك فرق بين المال الذي يدور بسرعة بطبيعته كالأطعمة ونحوها، بحيث يدور في السنة عدة مرات، وبين المال البطيء الدوران الذي لا يدور في السنة إلا مرة، وقد تمضي أكثر من سنة، دون أن يتحرك، فالربح في الأول ينبغي أن يكون أقل من الربح في الأخير.

وهناك فرق بين من يبيع قليلًا ومن يبيع كثيرًا، وكذلك بين رأس المال القليل التافه ورأس المال الكثير الوافر، فإن ربح القليل في المال الكثير كثير.

وثمة فرق كذلك من يبيع حالًا، ومن يبيع بالأجل، فالمعروف أن البيع الحال المقبوض يكون الربح فيه أقل، على حين تكون نسبة الربح في البيع المؤجل أعلى، نظرًا لما فيه من احتمال إعسار المشتري أو مطله، أو تلف ماله بوجه من الوجوه، وبهذا يهلك مال البائع، فضلًا عن تعطيل ماله، هذه المدة، وقد أجاز جمهور العلماء الزيادة في الثمن إذا زيد في الأجل، إذا عرف ذلك من أول الأمر، وتحدد بوضوح وهو مقابل بيع السلم الذي تباع فيه السلعة بأقل من الثمن المعتاد.

وأيضًا يوجد فرق بين السلع الضرورية، أو الحاجية، التي يفتقر إليها جمهور الناس، وبخاصة الضعفاء والفقراء منهم، والسلع الكمالية التي لا يشتريها إلا الأثرياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>