للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي الأولى ينبغي أن يقلل الربح رفقًا بذوي الضعف والحاجة، وفي الثانية يمكن أن يكون أكثر، إذ من الميسور الاستغناء عنها.

ولهذا شدد الشارع في احتكار الأقوات والأطعمة خاصة، أكثر من غيرها لاشتداد حاجة الناس – بل ضرورتهم – إليها، ولهذا أيضا حرم احتكارها بالإجماع، وجرى الربا فيها بالإجماع، ووجبت الزكاة فيها بالإجماع.

وكذلك ينبغي التفريق بين من يحصل على السلعة بسهولة، ومن يجهد ويتعب في جلبها من مصادرها، وكذلك بين من يبيع السلعة كما هي، ومن يدخل عليها تحويلات تكاد تجعلها سلعة أخرى.

كما أن ثمة فرقًا بين من اشترى برخص، كأن اشترى السلعة من منتجها بلا وسائط بسعر نازل، ومن اشتراها بعد تداول عدة وسائط لها، بسعر مرتفع، فشأن الأول أن يربح أكثر من الآخر.

والمقصود أنه لا يوجد في نصوص القرآن الكريم، ولا في السنة ما يجعل للربح حدًّا معينًا، أو نسبة معلومة، والظاهر أن ذلك ترك لضمير الفرد المسلم، وعرف المجتمع من حوله، مع مراعاة قواعد العدل والإحسان، ومنع الضرر والضرار، التي تحكم تصرفات المسلم، وعلاقاته كلها ...

فالإسلام لا يفصل بين الاقتصاد والأخلاق، خلافًا لفلسفة النظام الرأسمالي، الذي يجعل (الربح) المادي الفردي، هو الهدف الأول، والمحرك الأكبر، للنشاط الاقتصادي، الذي لا يتقيد بكثير من القيود التي يقيده بها الإسلام فلا حرج في ابتغاء الربح عن طريق الربا أو الاحتكار، أو بيع المسكرات، أو غيرها مما يضر بالجماعة، ويدر الربح على الأفراد.

أما الإسلام فله قيود وضوابط دينية وأخلاقية وتنظيمية، يوجب على كل تاجر رعايتها والوقوف عندها، وإلا كان ربحه حرامًا أو مشوبًا بالحرام.

هذا، ولم أجد في كلام الفقهاء – في حدود ما أتيح لي الاطِّلاع عليه، ولم أبحث كل البحث – ما يدل على نسبة معينة للربح يلتزمها التاجر في تجارته.

إلا ما ذكره العلامة الزيلعي من علماء الحنفية في تعريف ما ذكره صاحب الهداية وغيره من شرعية التسعير إذا تعدى أصحاب الطعام تعديًّا فاحشًا.

فقد عرف الزيعلي التعدي الفاحش بأنه البيع بضعف القيمة (١) ولكنه لم يبين المراد بالقيمة: هل هي ثمن المثل في السوق في مثل هذا الوقت؟ حينئذٍ لا تلازم بين القيمة والربح أو قيمة ثمن الشراء الذي اشتريت به السلعة، وهنا يكون الربح محددًا بألا يزيد على مائة في المائة؟


(١) الزيلعي (٦/٢٨) ، انظر: ابن عابدين (٥/٢٥٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>