إنَّ الاحتكار من الظلم، وداخل تحته في الوعيد.
والاحتكار أن يحبس التاجر السلعة، ينتظر بها غلاء الأسعار.
وهو يدل على نزعة أنانية، لا يبالي صاحبها بما يقع من أذى وضرر على جمهور الناس، ما دام هو يجني من وراء ذلك أرباحًا طائلة.
ويتفاقم الضرر إذا كان التاجر هو البائع الوحيد السلعة، أو تواطأ مجموعة التجار الذين يبيعون السلعة على إخفائها وحبسها، حتى يشتد الطلب عليها، فيغلو سعرها، ويفرضوا فيها الثمن الذي يريدون وهذا هو شأن النظام الرأسمالي الذي يقوم على دعامتين رئيسيتين هما: الربا والاحتكار.
وللفقهاء هنا خلاف حول أمرين: الجنس الذي يحرم احتكاره من السلع ما هو؟.. والوقت الذي يحرم فيه الاحتكار.
فمن الفقهاء من قصر الاحتكار على (الأقوات) لا يتجاوزها قال الغزالي: أما ما ليس بقوت ولا هو معين على القوت، كالأدوية والعقاقير، والزعفران وأمثاله، فلا يتعدى النهي إليه، وإن كان مطعومًا، وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد سدًّا يغني عن القوت في بعض الأحوال، وإن كان لا يمكن المرادفة عليه، فهذا في محل النظر، فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن والزيت، وما يجري مجراه (١) .
ويفهم من كلام الغزالي هنا أنهم يعتبرون (القوت) محصورًا في الطعام الجاف مثل الخبز والأرز بلا سمن ودون أدام، حتى الجبن والزيت والسمسم ونحوها اعتبرت خارج دائرة القوت.
وهذا الذي ذكروه من القوت، لا يكتفي به الطب الحديث غذاء صحيحًا للإنسان، إذ لا بد أن تتوافر في الغذاء الجيد جملة عناصر ضرورية منها البروتينات والدهنيات والفيتامينات وإلا أصبح الآن عرضة لأمراض سوء التغذية، ومن هنا فإن كل ما تشتد حاجة الناس إليه يكون احتكاره أشد إثمًا، وفي مقدمة ذلك الطعام، وفي مقدمة الطعام القوت الضروري.
كما أن الأدوية في عصرنا أصبحت أمرًا ضروريا للناس، وكذلك الملبوسات ونحوها.
وحاجات الناس تتطور بتطور أنماط حياتهم، وكم من أمر تحسيني أو كمالي، أصبح حاجيًّا، وكم من حاجي غدا ضروريًّا.
والأرجح في رأيي تحريم الاحتكار لكل ما يحتاج إليه الناس، طعامًا كان أو دواء، أو لباسًا، أو أدوات مدرسية أو منزلية، أو مهنية، أو غير ذلك.
(١) الإحياء: ٢/٧٣، ط. دار المعرفة – بيروت.