للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما جاز أن يراعى اختلاف الأسواق دون زيادة العين أو نقصها، ووجه آخر هو أن بقاء السلعة مدة طويلة يدل على غلاء شرائها، وعلى زهد الناس في عينها ولذا لم يجز (١) . كتم حالها فعليه أن لا يبيع مرابحة حتى يبين جميع أحوالها وأوصافها. قال ابن حبيب: ليس عليه أن يبين، وقال ابن القاسم: في الزيادة أعجب لي أن لا يبيع حتى يبين ولم يفصل بين قرب المدة وطولها، وهذا في زيادة العين والقيمة، فأما النقص من ذلك فمانع من البيع، إلا أن يبين.

استطرد أبو الوليد مواقف الإمام مالك في هذه المسألة إلى أن قال: "ولو اشترى سلعًا فباع بعضها مرابحة، فلا يخلو أن تكون غير مكيلة أو موزونة، كالثياب والحيوان، فإن كانت معينة لم يجز أن يبيع بعضها مرابحة حتى يبين، قاله ابن القاسم وزاد ابن عبدوس كذلك الرجلان يشتريان البز فيقسِّمانه، لا يبيع أحدهما مرابحة حتى يبين حاله، ووجه ذلك إذا شملهما عقد بيع، فلا يختص بعضها بحصة من الثمن إلا بعد التقويم، والتقويم قد تدخله الزيادة، والنقصان. فلا يلزم ذلك المشتري حتى يبين له، فإن لم يبين فللمشتري الرد إن شاء ما لم تفت، فإن فاتت فالقيمة يوم القبض".

ومن الصور المهمة التي تعرض لها أبو الوليد في شرحه للموطأ مسألة بيع "سلعة مرابحة قامت عليه بمائة للعشرة أحد عشر، ثم جاء بعد ذلك أنا قامت عليه بتسعين يحتمل أن يكون البائع غلط، وظن أنها قامت عليه بمائة فباع، ثم جاء العلم أنها قامت عليه بتسعين أو أن البائع زاد في الثمن عمدًا، فإذا أحب عند اتضاح الأمر أن يأخذها بجميع الثمن فله ذلك أو يردها، ولا يلزم البائع بالثمن الأول إلا إذا رضي، أي لا يلزم بتفويتها له بتسعين إلا برضى للبائع وفي المسألة خلاف أخذنا هنا بشطره، وأما أيهما له الخيار، فإذا لم تفت السلعة فالخيار للبائع بين أن يرد، أو يحبس بجميع الثمن، فإن رد خير البائع بين أن يرد أو يحط، الكذب وربحه فيتم البيع".

قال مالك: وإن باع رجل سلعة مرابحة، فقال: قامت على بمائة دينار ثم جاء بعد ذلك أنها قامت بمائة وعشرين دينارًا خير المبتاع، فإن شاء أعطى البائع قيمة السلعة يوم قبضها، وإن شاء أعطى الثمن الذي ابتاع به على حساب ما ربحه بالغًا ما بلغ، إلا أن يكون ذلك أقل من الثمن الذي ابتاع به السلعة فليس له أن ينقص رب السلعة من الثمن الذي ابتاعها به، لأنه قد كان رضي بذلك، وإنما جاء رب السلعة يطلب الفضل فليس للمبتاع في هذا حجة على البائع، بأن يضع من الثمن الذي ابتاع به على البرنامج (٢) .


(١) المنتقى ٥ /٤٧.
(٢) المدونة الكبرى ص٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>