للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضوع التاسع: تحقيق معنى عمل أهل المدينة وما جرى به العمل في الأقطار ومعنى العادة والفرق بين هذه الثلاث وبيان علاقتها بالعرف، وقد نبهنا إلى خطأ بعض أهل الأصول في تخليطهم بين عمل أهل المدينة والإجماع، ثم قسمنا عمل أهل المدينة إلى ما يرجع إلى النقل المحض وما يرجع إلى الاجتهاد وأشرنا إلى مذاهب الأئمة في العمل به وأجريناه مجرى العرف، بل هو أقوى لأن مستنده فعل الرسول وتقريره وأهل المدينة أقرب عهد بالرسول وأصحابه، ثم نبهنا إلى الفرق بين عمل أهل المدينة والعرف، والفرق بينه وبين ما جرى به العمل، ثم أشرنا إلى أن العرف قد يوافق القول المشهور في المذهب، وقد يجري على القول الضعيف، ومنه ما جرى على نص فيه وما جرى على شبه دليل أو جرى على وفق دليل المخالف، وقد ضربنا أمثلة موضحة لكل هذه الأقسام والأنواع.

الموضوع العاشر: علاقة العرف بالحقوق، ذكرنا علاقته بالمال إذ العرف هو الذي يحدد ما هو مال مما ليس بمال، كما يحدد ما هو مقوم منه وما كان مثاليًّا، وهنا أشرنا إلى الفرق بين المال والملك، ثم أشرنا إلى أنواع الحقوق: حق الملك، وحق الانتفاع وحق الارتفاق ودور العرف فيها، كما تعرضنا إلى حق الشرب وحق المجرى وحق السير وحق المرور وحق الجوار، وأشرنا إلى حقوق الانتفاع وما كان ممنوعًا في الأصل ورخص فيه لرفع الحرج والمشقة، وأوردنا أمثلة بالعقود المستثناة من أصل ممنوح كالإجازة والمزارعة والمساقاة وتحكيم العرف فيها بين العامل وصاحب العقار. ثم أشرنا إلى حقوق الخيار وارتباط العرف بها، إذ هو الذي يحددها من مثل خيار الرؤية وخيار العيب وخيار النقد وخيار التعيين وخيار الكمية وخيار كشف الحال، وأوضحنا حقيقة كل منها ثم أشرنا إلى علاقة العرف بالعقوبات والتعزير كما أشرنا إلى الشهادة العرفية كشهادة اللفيف والصبيان، ثم نبهنا أخيرًا إلى أن مستند الحكم لا يخرج عن أن يكون يمينا أو إقرارًا أو إبراءً أو إسقاطًا أو التزامًا أو شهادةً. وأوضحنا أنه جرى العمل عندنا بتونس بتوجيه يمين التهمة عند وجود الخلطة.

ثم ختمنا الموضوع بالإشارة إلى العرف الدولي وفرقنا بين ما كان قانونًا دوليًّا وما كان عادة، فالأول يشكل مجرد سلوك اجتماعي بخلاف العرف الدولي، فهو يشكل قاعدة شرعية إلزامية بين الدول كمبدأ حرية الملاحة في المنطقة الدولية، فإنه ينشأ عن مخالفته وعدم احترامه جزاء ومطالبة بجبر الضرر تحكم به المحكمة الدولية المنتصبة بلاهاي.

أما الخاتمة: فقد أشرنا فيها إلى صلاحية التشريع الإسلامي لكل زمان ومكان في كل أمور الدين والدنيا حيث أصَّلت الشريعة كل الأحوال وقررت كل المقاصد وأوضحت كل المبادئ وتركت في الغالب التفاصيل والجزئيات للقائمين على تنفيذها ويستلهمون من روحها ويستنبطون من قواعدها وأصولها ما ليس في نصوصها مما تستلزمه المستحدثات وما يعرضه التقدم والحضارات، وهكذا كانت الشريعة صالحة لعلاج كل مشاكل الحياة وكانت مستغنية الاستغناء المطلق عن تحكيم القوانين الأجنبية الغربية بما فيها من مرونة، وبقابليتها للأعراف والعادات التي تتفق مع ملابسات الناس ومقتضيات الحضارة ولا تتعارض مع قواعدها ومقاصدها بهذا المنهج، وبهذه المرونة مدت الفقهاء والحكام بالأحكام المناسبة لعصورهم الملائمة لمقتضيات تصرفاتهم حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.

ولعل فيما قدمنا عن العرف ومدلوله وعما انبثق عنه من قواعد وأحكام بما يتماشى ومصالح الأنام، وعن منزلته من بين الأدلة لها ما فيه كفاية لإنارة السبيل للعلماء والباحثين، ولعلَّ فيما أوضحت أكون قد شاركت قدر المستطاع في تجلية نظرية العرف وتوضيح آثاره في الشريعة والقانون بين الأفراد والجماعات والدول.

نسأل الله العلي القدير أن يرشد الأمة الإسلامية وحكوماتها إلى أن تعود إلى شريعتها وأحكام دينها فتستغنى بذلك عن القوانين الغربية الدخيلة، إذ في شريعتنا الكفاية إلى تحقيق كل غاية فهي شريعة الفطرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها إلا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>