للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد السيد السند وعلى آله وصحابته وتابعيهم بإحسان على طول الأمد.

وبعد: فإن علماء الأمة أجمعوا على اعتبار الكتاب والسنة المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي، كما اتفق جمهورهم على إلحاق الإجماع والقياس بهذين المصدرين، فكانت هذه الأربعة هي الأسس الأصلية للتشريع الإسلامي، ولقد اختلف المجتهدون في مجموعة أخرى اعتبرها جميعهم فرعية كالاستحسان عند أبي حنيفة والمصالح المرسلة وعمل أهل المدينة عند مالك، والاستصحاب عند الشافعي، والإباحة الأصلية عند ابن حنبل.

والعرف هو المصدر من المصادر الفرعية لاستقناء الأحكام واستنباطها ضمن شروط اختلف الفقهاء في بعضها توسعة وتضييقًا، ولقد اعتبره بعض الدول مصدرًا أساسيًّا في بناء الأحكام وتقنينها، وقدمته على الدين معتبرة أن العرف هو أقدم من الدين، وهو واضح خطؤه لأن الدين وحي من الله عز وجل، وهو الخالق لكل شيء، والدين أزلي والأعراف حادثة، ولا يشك عاقل في أن الحادث طارئ متأخر في الوجود بالإضافة إلى الدين.

ولما كان العرف هو عادة مستحكمة في الناس وسلوك معين في تنظيم ناحية من نواحي الحياة كان في نظر القانون مصدرًا لقاعدة قانونية أو هو القاعدة ذاتها، أما عند أهل الشريعة فاعتباره مقيد بعدم معارضته لنصوص الشريعة، وأن يكون مطردا غالبًا سابقًا أو مقارنًا على ما سيأتي بيانه في شروط الاعتداد به حيث يكون عرفًا صحيحًا، أما ما اختل منه بشرط أو أكثر، فهو عرف فاسد لا يعتمد عليه ولا يعول عليه في نظر أهل الشريعة.

لقد اعتبر علماء الشريعة العرف في كل شيء فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية الأسرية كالخطبة والزواج والهدايا، وفي الفراق والطلاق حسب العرف القولي، وفي المعاملات المالية ونحوها، بينما أهل القانون يقصرون العمل به على ما كان علاقة قانونية قائمة بين الأشخاص في دائرة معاملاتهم، أما ما يتعلق بالمجاملات والمظاهر كتبادل الهدايا والزيارات ونحوها، فلا يعتبرون العرف فيها غير أن المشرعين الفرنسيين تأثروا بالفقه الإسلامي وعلم الأصول فقيدوا العرف بالقيود التي قيده بها فقهاء الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>