وللعرف مزايا كما له عيوب، فمن مزاياه ومحاسنه أنه يعبر تعبيرًا واضحًا عما يرتضيه الشعب وجمهوره، حيث هو يعطي صورة صحيحة عن عاداتهم وتقاليدهم في منهجهم في الحياة. وهو من جهة أخرى قابل للتطور ومواكب للتغييرات التي تحدث في المجتمعات بينما النصوص القانونية المكتوبة تجمد في كثير من الأحيان، فتحتاج إلى التعديل والتغيير والتبديل كلما دعت الحاجة إلى ذلك، ومن مساوئ العرف عند بعضهم أنه قد يقف حجر عثرة عن التقدم في وجوه رائدي الإصلاح خصوصًا إذا كانت الأعراف فاسدة وألفها الناس رغم فسادها، وقد استقر كثير من الأعراف الفاسدة عند جمهور المسلمين حتى فيما ينسب إلى الدين، وهو منها براء بحيث إذا قام المصلون بالدعوة إلى العودة إلى جوهر الدين في لبه وصفائه والتقيد بتعاليمه السامية ومقاصده الرائدة كانت هذه الأعراف حاجزة مانعة من قبول الإصلاح حيث يتركز المانعون للإصلاح على العرف، ويستندون إليه وبذلك يكون سدًّا منيعًا في وجه الإصلاح وهكذا يضطر الناس إلى ممارسة الازدواجية في مسالكهم، فهم من جهة متقيدون بهذه الأعراف، ومن أخرى يريدون التقدم والإصلاح وفق الآراء الجديدة والنظريات الصحيحة والنظم المتقدمة المستحدثة. وهكذا يضطر الناس إلى إظهار خلاف ما يبطنون ويعملون بغير ما يريدون.
والعرف في نظر الشريعة لا تكون له القوة الفعالة قوة الإلزام إلا إذا كان عرفًا صحيحًا مستندًا إلى أصل شرعي أو غير متعارض مع نص شرعى ومقصد من مقاصد الشريعة، وإذا كان كذلك فلا يكون مانعًا من التقدم كما ادعاه بعضهم، وإذا كان العرف صحيحًا وجب العمل به ووجب تحكميه وتطبيقه، وهو بهذا المعنى أشد من العادة؛ لأن العادة غير ملزمة. لذلك فلا تثبت الحقوق بمثل عادات التهادي والمناسبات والأعياد وما يبذله التجار لعملائهم من التسهيلات والهدايا لترغيبهم في الشراء، وما يجري بين الجيران على سبيل التسامح، فكل هذه الأمور لو ادعاها مدع أمام المحاكم لا تسمع دعواه، ولا يقضى له بها؛ لأنها وإن جرت بها العادة، فإنها لم تبلغ مبلغ العرف حتى تصير لها القوة الإلزامية التي له، وهل قوة العرف ناشئة من أحكام القضاء فلا اعتداد بها قبل تدخل القضاء وإقراره وقضائه بذلك العرف بحيث لا اعتداد به قبل القضاء به، وهذا ما ذهب إليه جماعة من أهل القانون وعلى رأسهم الحقوقي الفرنسي لامبير معتمدًا في ذلك على أن معظم العرف خرجه الكهنة والقضاة، وذهب آخرون إلى أن العرف تستند قوته الملزمة من الضرورات الاجتماعية لا من إرادة المشرع ولا من أحكام القضاء، وهذا أظهر النظريات باعتبار قوتها الحاجة الاجتماعية، واعتبار أن العرف يحكم العلاقات بين الناس في كثير من شؤونهم. ولكنه يرضي مصالحهم ويتجاوب مع غرائزهم، ونحن إذا نظرنا إلى الشريعة الإسلامية نراها لم تأخذ بأي النظريتين، وإنما اعتمدت العرف فيما لا نص فيه حيث لا مجال للاجتهاد مع النص، وقد كان اعتماد الشريعة الإسلامية على العرف ناشئًا من إقرار الأحوال المعتمدة في التشريع الإسلامي، وهي تأخذ به وتعتمد عليه في استنباط الأحكام الاجتهادية التي لا نص فيها، أو فيها نص ظني مطلق قابل للتقييد، أو عام قابل للتخصيص بالعرف.