للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه لمن الغريب أن كثيرًا من القوانين المدنية لبعض البلاد الإسلامية قد أخذت العرف، واعتبرته مصدرًا أصليًّا من مصادرها وقدمته على نصوص الشريعة، فإنا نجد في القانون المدني المصري والعراقي والسوري في كثير من مواده، قد جرى على ما هو ثابت في القانون الفرنسي بحيث قلدته تقيلدًا أعمى لما جاء فيه، والقانون الفرنسي يعتمد العرف بإطلاق، والقانون المصري، والعراقي، والسوري، وإن استمدت قانونها من الفقه الإسلامي في بعض أحكامها، إلا أنها كانت في مجموعها وغالبها أجنبية حيث هي مستنقاة من القانون الفرنسي، وهي تقدم العرف بإطلاق، وإن خالف النص وأول من تفطن لرتق الفتق وإصلاح الوضع المشرع الأردني، فرفض القانون المدني المأخوذ من القوانين الوضعية والتي فيها تقديم العرف على الشريعة، فوضعت قانونًا مدنيًّا مستمدًا من الشريعة الإسلامية واعتمدت العرف في مادته الثانية منه ونصها:

١- تسري نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بألفاظها ومعانيها ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص.

٢- فإذا لم تجد المحكمة نصًّا في هذا القانون حكمت بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون، فإن لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية.

٣- فإن لم توجد حكمت بمقتضى العرف، فإن لم توجد حكمت بمقتضى قواعد العدالة، ويشترط في العرف أن يكون عامًا وقديمًا ثابتًا مطردًا، ولا يتعارض مع أحكام القانون أو النظام العام أو الآداب، أما إذا كان العرف خاصًّا ببلد معين فيسري حكمه على ذلك البلد.

٤- ويسترشد في ذلك كله بما أقره القضاء والفقه على أن لا يتعارض مع ما ذكره وكذلك القانون المدني التونسي، فقد نصت المادة ٥٤٣، العادة والعرف لا يخالفان النص الصريح والمادة ٥٤٤ من استند إلى عرف كان عليه إثباته ولا يحتج به إلا إذا كان عامًّا أو غالبًا غير مناف للنظام العمومي والأخلاق الحميدة. وقد جاءت نصوص كثيرة تتعلق بالالتزامات والعقود نصت موادها على الاعتماد فيها على العرف عند عدم النص إذ المادة ٥١٦ نصت على أن المعمول به عادة بمحل الكتب كالمشروط نصًّا، وكذلك ما هو في طبيعة الأمر المقصود، وكذلك نصت المادة ٥٢٦ على ما يتعلق بالمكاييل والموازين والمقادير من أن مرجعها إلى العرف والعادة بالمكان، وقد ذكر العرف في أكثر من خمسة عشر مادة من مواد القانون التونسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>