للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللعرف في القانون المدني دوران مهمان أولهما: أنه يرجع إليه في المسائل التي لا يجد القاضي نصا فيها من القانون المدني المستمد من الشريعة أو في الاجتهادات الفقهية المبثوثة في كتب الفقه. ثانيهما: الرجوع إليه بمقتضى الشريعة الإسلامية، وقد تقرر ذلك في القواعد الشرعية المعتبرة في مثل العرف كالنص ومثل استعمال الناس حجة والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا ومثل العادة محكمة وبهذا يظهر الدور الثاني للعرف في كونه مرجعًا مساعدًا في التشريع اعتمادًا على ما ذهب إليه جمهرة من الفقهاء من أن العرف يخصص العام ويقيد المطلق، ذلك أن الشارع إنما يخاطب الناس بما يفهمون وبما يتعارفون، وهذا هو العرف القولي ومثله العرف العملي عند جمهور الفقهاء وهذا هو سلطان العرف وتأثيره في استنباط الأحكام الشرعية عند عدم النص أو عدم المعارض لأنه لا قدرة له على إلغاء النص القانوني أو الشرعي سواء أكان عرفًا إيجابيًّا أو عرفًا سلبيًّا والإيجابي هو ما قدم على رضا الجماعة والضرورات الاجتماعية، ولو خالف التشريع، والعرف السلبي هو العرف الملغى بمقتضى عرف آخر، وليس للحجج التي يوردها أنصار مخالفي هذا الرأي مقتنع لأنها قائمة على أساس أن العرف أصدق تعبيرا من القانون عما في نفوس المجتمع، وأن المصلحة تقتضي الاستجابة للناس في اعتبار العرف وعدم إدخال الحرج والتضييق عليهم وذلك لأنهم أغفلوا منشأ العرف في المجتمعات السليمة، وهو إنما ينشأ من أصل مباح أو تجربة صادقة، كما غفلوا على المقياس الصحيح الذي به يؤخذ العرف أو يرد والذي يقع التمييز بين العرف الصحيح والفاسد، ولهذا لم يعتد بالأعراف التي كانت مخالفة للنصوص القانونية أو النصوص الشرعية من باب أول؛ لأن تشريعه وتشريع سماوي، وقواعده ثابتة ومسالكه سليمة، ولهذا نرى من القانونيين من مذهب إلى أن العرف لا يستطيع إلغاء نص قانوني ولاسيما القواعد الآمرة التي تتعلق بنظام المجتمع العام ومصالحه العليا.

وعلى أن العلامة الدكتور عبد الرزاق السنهوري، قد صرح بوضوح مثالب القانون المصري موضحًا أنه مأخوذ من القانون الفرنسي، فقد جاء في كتابه الوسيط في نظرية العقد ما يلي:

إنني جعلت الفقه والقضاء الفرنسيين هما من بين سائر النظم القانونية والأجنبية التي رجعت إليها لم أفعل ذلك دراية للقضاء الفرنسي، فهو القضاء الذي نزلنا ضيوفًا في ساحته الواسعة، ولكن آن للضيف أن يعود إلى بيته ويقول أيضًا: علينا أن نمصر الفقه فنجعله فقهًا مصريًّا خالصًا نرى فيه طابع قوميتنا، ونحس أثر عقليتنا، ففقهنا حتى اليوم لا يزال يحتله الأجنبي، والاحتلال هنا فرنسي وهو احتلال ليس بأخف وطأة ولا بأقل عنتًا من أي احتلال آخر، ويقول أيضا: لا يزال الفقه المصري يتلمس في الفقه الفرنسي الهادي، والمرشد لا يكاد يتزحزح من فقهه أو ينحرف من مسراه، فهو ظله اللاصق وتابعة الأمين، فإذا قدر لنا أن نستقل بفقهنا، وأن نفرغه في جو مصري يشب فيه على قدم مصرية، وينمو بمقومات ذاتية بقي علينا أن نخطو الخطوة الأخيرة، فنخرج من الدائرة القومية إلى الدائرة العالمية، ومن جملة قوله: يمكن القول إن تقنيننا المدني فيه نقص ثم فيه فضول هو غامض حيث يجب البيان، مقتضب حيث تجب الإفاضة، ثم هو يتوسل في التافه من الأمر فيعتني به عناية لا تتفق مع أهميته المحدودة يقلد التقنين الفرنسي تقليدًا أعمى فينقل كثيرًا من عيوبه، وهو به متناقض في نواح مختلفة ويضم إلى هذا التناقض أخطاء معيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>