كانت هذه هي الدوافع التي دفعت الأردن لوضع مشروع قانون مدني أردني مستند في مأخذه من الفقه الإسلامي ومستند إلى الأحكام الشرعية الإسلامية غير مأخوذ من مشاريع أجنبية، كالقانون الفرنسي أو الإيطالي، أو غيرهما، بل هو مستمد من تراثنا وعقيدتنا وفقهنا وشريعتنا ولما في هذا القانون المدني الأردني من الميزات اتفقت جامعة الدول العربية على أن تجعله منطلق تقنين القانون لمجموعة الدول العربية وذلك لما تحض عليه من الأخذ بكل ما يتطلبه النمو الحضاري والتقدم البشري مركزًا على دعائم ثابته في تشريعاته، ينتظم المعاملات ويجمع بين أصالة الماضي وجدة الحاضر، ويرعى الاتجاهات المختلفة في الحفاظ على التراث الخالد الذي ساد البشرية قرونًا طويلة على اختلاف عقائد من خضعوا لأحكامه دون أن يروا فيه ما ينبوا عن حاجات المجتمع، ويبعد عن قواعد الحق والعدل والإنصاف، وذلك لأن القانون لا يبلغ القمة إلا إذ واصل بين الحاضر والماضي، وأنار السبيل للمستقبل وكان وسيلة للوصول إلى حفظ المجتمع وتثبيت دعائمه وتحقيق حياة يسودها العدل والنظام والاستقرار، ولا يخفى أن اتجاهات النظم القانونية في العالم لا تخرج عن أحد النظامين، النظام المادي والنظام الشخصي، والأول: يرعى الإرادة الظاهرة في العقد ويضع لذلك المقاييس المادية التي تحلل كثيرًا بالعرف الجاري. والثاني: وهو النظام الشخصي وينظر إلى الإرادة الباطنة دون الظاهرة، ولا يخفى أن النزعة المادية الموضوعية، أو الواقعية في القانون دليل على تقدمه، إذ يهدف بهذه النزعة إلى إثبات المعاملات واستقرارها، وهي نزعة الشريعة الإسلامية بوجه عام فهي وإن كانت العبرة فيهما بالمعاني لا بالألفاظ، لكن ليس ذلك على إبطال الدلالة الظاهرة ولهذا نرى حرص الفقهاء على تفسير معاني الألفاظ حسب قواعد اللغة وأصولها، وفرقوا بين الكنايات الظاهرة والكنايات الخفية، وبين ما كان صريحًا، وما كان ظاهرًا، وما كان مجملًا، وما ينوي فيه صاحبه مما لا ينوي فيه، وبين ما كان من ذلك في باب القضاء وما كان في باب الفتوى بحيث وقفوا عند الإرادة الظاهرة التي يكشف عنها اللفظ، كل ذلك حرصًا على ثبات التعامل واستقراره، كما أن هذه الشريعة الغراء راعت المألوف في التعامل والمتعارف بين الناس والمتبادر إلى الأذهان حسب العادات والتقاليد والاستعمال حيث كان ذلك هو المعيار الموضوعي الذي يبدو في أحكام العقود على اختلافها، وفي كثير من الأبواب والمسائل التي يلعب العرف دورًا عظيمًا في استنباط أحكامه على ما سيأتي بيانه.