للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعرف والمعروف من أصول التشريع الإسلامي فقد قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [سورة الأعراف: الآية ١٩٩]

فالعرف اسم مرادف للمعروف من الأعمال، فهو الفعل الذي تعرفه النفوس أي لا تنكره إذا خليت وشأنها بدون غرض لها في ضده وقد دل على مرادفته للمعروف قول النابغة: فلا النكر معروف ولا العرف ضائع. فقابل النكر بالعرف. فالمعروف إذن هو ما يعرف وهو مجاز في المقبول المرصي به لأن الشيء إذا كان معروفًا كان مألوفًا مقبولًا مرضيًّا به، وهو في الآية ما يقبل عند أهل العقول وفي الشرائع وهو الحق والصلاح لأن هذا مقبول عند انتفاء العوارض والمنكر ضده وهو مجاز في المكروه، والكره ملازم للإنكار لأن النكر في أصل اللسان هو الجهل ومنه تسمية غير المألوف نكرة، وأريد به في الآية الباطل والفساد لأنهما من المكروه في الجبلية عند انتفاء العوارض (١) . والقول الجامع أن العرب تطلق المعروف على ضد المنكر وعلى ضد المجهول، والمنكر هو المستقبح عند الذي ينفرون منه لقبحه أو ضرره، أو يذمونه، ويذمون مرتكبيه، وسورة الأعراف مكية، وهي قد نزلت في أصول الدين وكليات الشريعة وآية: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} تثبت لنا أن العرف والمعروف أحد الأركان للآداب الدينية، ومما انبنى عليه التشريع الإسلامي اعتبار عادات الأمة الحسنة، وما تواطأت عليه من الأمور النافعة والأفعال الخيرة مما يحقق لها المصالح ويدرأ عنها المفاسد في مجاري العادات حتى إن كتاب الله عز وجل قد قيد طاعته وطاعة رسوله بالمعروف في عقد مبايعته للنساء حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ} [سورة الممتحنة: الآية ١٢] .

ومعلوم أن عقد المبايعة أعظم العقود في الأمم والدول فتقيد طاعته صلى الله عليه وسلم فيه بالمعروف التزام، والمعروف من أعظم أركان الدين روى البخاري عن أم عطية، قالت: بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: ((أن لا تشركن بالله شيئًا)) ، وفي البخاري، عن ابن عباس، قال: شاهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة فنزل نبي الله، فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ} حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: ((أنتن على ذلك)) فقالت امرأة منهن واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله، قال: ((فتصدقن)) .


(١) التحرير والتنوير: ٤ /٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>