للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجرى هذه المبايعة على الرجال أيضا، فعن عبادة بن الصامت، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أتبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تزنوا ولا تسرقوا)) وقرأ آية النساء (أي النازلة بخطاب النساء في سورة الممتحنة) ((فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به، فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئًا فستره الله، فهو إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له)) ، واستمر العمل بهذه المبايعة إلى يوم فتح مكة وقد أسلم أهلها رجالًا ونساء. وجلس ثاني يوم الفتح على الصفا يأخذ البيعة من الرجال على ما في هذه الآية، وجلس عمر بن الخطاب يأخذ البيعة على النساء على ذلك، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الطاعة في معروف)) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد، عن علي أي لا تجوز طاعة السلطان، أو نائبه في معصية، ولذا لما قام من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية؟ ألم تعلموا أنه يجب عليكم طاعتي؟ فقالوا: نعم ,فقال: ائتوا بحطب وأوقدوه وادخلوا فيه، فلما تأججت النار، وصاروا يقربون منها صار بعضهم ينظر إلى بعض، ثم قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث لإنقاذ الناس من النار فكيف تأمرنا بالدخول فيها فخمدت النار وذهب غضب الأمير، فلما رجع أخبر النبي بذلك، فقال: ((لو دخولها ما خرجوا أحياء)) ، أي ماتوا فيها، وذكر الحديث ((إنما الطاعة في معروف)) (١) ولقد تكرر ذكر المعروف في السور المدنية، وكان أكثرها في بيان الأحكام الشرعية العملية وذلك في عشرات من الآيات بعضها في صفة الأمة الإسلامية، وحكومتها وأكثرها في الأحوال الشخصية والأحكام المالية، ومن الأول قوله تعالى في تعليل الإذن للمؤمنين بالقتال في سورة الحج: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (٢) .

ومنه قوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٣) أي بما هو معروف في الشرع غير منكر، وينهون عما هو منكر في الدين غير معروف.

وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (٤) .


(١) حاشية الحنفي على الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير: ١ /٣٢٠
(٢) سورة الحج الآيات ٣٩، و ٤٠ ,و٤١
(٣) سورة آل عمران: الآية ١٠٤
(٤) سورة آل عمران: الآية ١١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>