للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (١)

وقد وصفهم الله تعالى بعد ذلك بقوله: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} (٢) ، أي القائمون بأمر الناس بما هو معروف والشريعة، والقائمون بإنكار كل فعل أنكره الشرع – فكل هذه الآيات أصول لا مندوحة للأمة من التزامها في آدابها وتشريعاتها.

ومن النوع الثاني، وهو ما ورد في الأحكام الفرعية العملية، ففي الحقوق الزوجية، كما في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ، أي ما تعرفه العقول السليمة المجردة عن الانحياز إلى الأهواء والعادات الضالة، وذلك هو الحسن وما جاء به الشرع نصًا أو قياسًا واقتضته المقاصد الشرعية، والمصالح العامة التي ليس في الشرع ما يعراضها وتحتها تفاصيل كبيرة تؤخذ من الشريعة، وهي مجال للمجتهدين في مختلف العصور وتعدد الأقطار يشهد لذلك اختلاف الفقهاء في جبر البنت البكر من أبيها دون الابن مصداقًا لقوله وللرجال عليهن درجة. ومن منعها من التبرع بما زاد على الثلث إلا بإذن زوجها عملًا بقوله وللرجال عليهن درجة: إلى غير ذلك من الجزئيات، التي اختلفت فيها الأنظار بين المماثلة بين الذكر والأنثى وبين جعل درجة للرجل عليها وكل ينظر إلى أن ذلك من المعروف أو من المنكر، ففي هذه الآية الكريمة احتباك والتقدير: ولهن مثل ما على الرجال، مثل الذي للرجال عليهن، فحذف من الأول لدلالة الآخر وبالعكس، وكان الاعتناء بذكر ما للنساء من الحقوق على الرجال وتشبيهه بما للرجال على النساء لأن حقوق الرجال على النساء مشهورة مسلمة من أقدم عصور البشر، أما حقوق النساء فلم تكن مما يلتفت إليه، أو كانت ولكنها متهاون بها وموكولة إلى مقدار حظوة المرأة عند الزوج، فلما جاء الإسلام أقامها وكانت هذه الآية أعظم ما أسست به، وكانت هذه الآية ركنًا من أركان حقوق الزوجية، بما يفضل الإسلام جميع الشرائع والقوانين والأديان في العدل والإنصاف، والمصلحة مما لم تنل النساء مثله في أمة من الأمم ومنها قوله تعالى في أحكام الطلاق: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٣)


(١) سورة التوبة: الآية ٧١.
(٢) سورة التوبة: الآية ١١٢
(٣) سورة البقرة: الآية ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>