للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد روى مالك في جامع الطلاق من الموطأ، عن هشام بن عروة عن أبيه، أنه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته، ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها، ثم طلقها، ثم قال: والله لا آويك ولا تحلين أبدًا فأنزل الله تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ، فاستقبل الناس الطلاق جديدًا من يومئذ من كان طلق منهم أو لم يطلق، وقد جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت قول الله تعالى الطلاق مرتان، فأين الثالثة؟ فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)) ، والمقصود من الجملة هو الإمساك أو التسريح المطلق قيد الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان إذ ما جاء للوصية والإرشاد في أثناء التشريع وإيماء إلى أنه الأهم المرغب فيه في نظر الشرع والإمساك بالمعروف أي على ما عرفه الناس في معاملاتهم من الحقوق التي قررها الإسلام أو قررتها العادات التي لا تنافي أحكام الإسلام وهو مناسب للإمساك إذ يشتمل على أحكام العصمة كلها من إحسان المعاشرة وغيرها؛ إذ المعروف أعم من الإحسان والتسريح بإحسان هو الفراق ومعروفه منحصر في الإحسان إلى المفارقة بالقول الحسن والبذل بالمتعة، كما قال تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} .

وقد كان الأزواج يظلمون المطلقات ويمتعوهن من حليهن ورياشهن ويكثرون الطعن فيهن (١) . ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة الطلاق: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (أي أمسكوهن بحسن معاشرة ورغبة فيهن من غير قصد إلى مضارة لهن) {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (٢)

ومنها قوله تعالى في المطلقات الرجعيات: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (٣) .

وهو شرط للنهي لأن الولي إذا علم عدم التراضي بين الزوجين ورأى أن المراجعة ستعود إلى دخل وفساد فله أن يمنع مولاته نصحًا لها وخوفًا عليها، ولا يحق له بحال إذا تراضى الزوجان بعود المعاشرة أن يمنعها إذ ليس هو بأدرى من ميلها لزوجها منها فهو على حد قولهم رضي الخصمان ولم يرض القاضي.


(١) التحرير والتنوير: ٢ /٤٠٣- ٤٠٧
(٢) سورة الطلاق: الآية ٢.
(٣) سورة البقرة: الآية ٢٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>