للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها قوله تعالى في المطلقات: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (١) متاعًا بالمعروف وهو ما عرف في الشرع والعادة الموافقة له فالاعتبار في ذلك بحال الزوج وهي من الغنى فوق المتعة من الفقير إذ ليس الموسع وهو من اتسعت حاله كالمقل المقتر، وهو من عسرت حاله، فالمعروف ما تعورف في الشرع والعادة (٢)

ومنها قوله تعالى في معاشرة الأزواج: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (٣) .

والمعاشرة المخالطة مفاعلة من العشرة، والمعروف ضد المنكر وسمي الأمر المكره منكرًا لأن النفوس لا تأنس به، فكأنه مجهول عندها نكرة، إذ الشأن أن المجهول يكون مكروهًا، ثم أطلقوا اسم المنكر على المكروه وأطلقوا ضده على المحبوب لأنه تألفه النفوس والمعروف هنا ما حدده الشرع ووصفه العرف (٤)

ومما جاء في العفو عن القصاص قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} (٥) .

فالاتساع مستعمل في القبول والإرضاء، أي فليرض بما بذل له من الصلح المتيسر وليؤدِّ باذل الصلح ما بذله دون مماطلة ولا نقص ومقصد الآية إبطال ما كان في الجاهلية من اعتبار أن أخذ الصلح في القتل العمد هو بيع لدم صاحبهم، قال مرة الفقعسي:

فلا تأخذوا عقلا من القوم إنني

أرى العار يبقى والمعاقل تذهب

فجاء القرآن وأطلق وصف الأخ على المماثل في دين الإسلام وجعل التوافق في العقيدة أشد من التوافق في النسب ذلك أن التوافق في الدين آصرة نفسانية والتوافق في النسب آصرة جسدية، والروح كما هو معلوم أشرف من الجسد، وقوله تعالى {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وصف أي الرضا بما هو معروف تألفه النفوس وتستحسنه من كل ما تسر به النفوس ولا تشمئز منه ولا تنكره ومنها ما في الوصية للوالدين والأقربين، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (٦)


(١) سورة البقرة: الآية ٢٣٦
(٢) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني: ١ /٢٢٦.
(٣) سورة النساء: الآية ١٩
(٤) التحرير والتنوير: ٤ /٢٨٦.
(٥) سورة البقرة: الآية ١٧٨
(٦) سورة البقرة: الآية ١٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>