للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: كتب عليكم ما هو معروف عندكم بالوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ما ألفته العقول ولم تنكره النفوس وهو الشيء المحبوب المرضي سمي معروفًا لكثرة تداوله والتأنس به حتى صار معروفًا بين الناس وهو العدل الذي لا يحصل منه تحاسد بين الأقارب ولا تباغض وتدابر، ومن المعروف في الوصية ألا تكون للإضرار بوارث أو زوج أو قريب وقد قال طرفة:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على المرء من وقع الحسام المهند

وقد كانوا في الجاهلية يمنعون القريب من الإرث بتوهم أنه يتمنى موت قريبه ليرثه وربما فضلوا بعض الأقارب على بعض، وكان هذا مما يفضي إلى الإحن، الأمر الذي يتسبب في اختلال الحالة الاجتماعية بإلقاء العدواة بين الأقارب ومنها في أكل الموصى من مال اليتيم، فقد قال الله تعالى {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} ، ففي قوله بالمعروف حوالة على ما يناسب حال الوصى ويتيمه بحسب الأزمان والأماكن، ولقد أرشد إلى ذلك حديث أبي دواد في سننه أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير وليس لي شيء، قال: ((كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل)) ، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت نزلت هذه الآية فيولي اليتيم إذا كان محتاجًا أن يأكل منه بالمعروف، ولهذا قالت المالكية: يأخذ الوصي بقدر أجرة مثله، وقد قال عمر رضي الله عنه: إني نزلت نفسي من مال الله منزلة الوصي من مال اليتيم إن استغنيت استعففت وإن احتجت أكلت بالمعروف فإذا أيسرت قضيت. قال عطاء وإبراهيم النخعي: لا قضاء عليه أن أيسر وهو مذهب الجمهور وروي عن ابن عباس من كان من الأوصياء غنيًّا فليستعفف بماله، ولا يتوسع بمال محجوره ومن كان فقيرًا فإنه يقتر على نفسه لئلا يمد يده إلى مال يتيمه، وقد استحسنه النحاس وعلي بن على الطبري المعروف مالكيًّا الطبري نسبة إلى طبرستان قرب الري (١) قال الإمام الشافعي: وجماع المعروف إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه، وكف المكروه (٢) .

إننا بما نقلنا نرى أن المعروف في هذه الآيات المتعددة معتبر في هذه الأحكام المهمة كما ندرك أن المعروف فيها هو المعهود بين الناس في المعاملات وفي العادات، ومن المعلوم بالضرورة أن العادات والتقاليد تختلف باختلاف الشعوب والبيوت والبلاد، والأوقات، وأن تحديد الأحكام وتعيينها من دون مراعاة عرف الناس يكون مخالفًا لنص كتاب الله (٣) ولشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من فقهاء الحديث أقوال حكيمة في المعروف فقد ذكر في أحكام الطلاق (٤) وما ورد فيه من الآيات المقيدة للإمساك بالمعروف والتراضي بالمعروف والمعاشرة بالمعروف وفي أن لهن وعليهن بالمعروف ورزقهن وكسوتهن بالمعروف قال: هذا المعروف المذكور في القرآن هو الواجب العدل في جميع ما يتعلق بالنكاح من أمور النكاح وحقوق الزوجين.


(١) التحرير والتنوير: ٤ /٢٤٥، إلكيما بهمزة مكسورة في أوله فكاف مكسورة معناه الكبير بالفارسية.
(٢) أحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة ٢٠٤هـ: ١ /٢٠٣
(٣) تفسير المنار، للشيخ رشيد رضا: ٩ /٥٣٤
(٤) مجموع الفتاوي لابن تيمية: ٣٤ /٨٤ إلى ٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>