للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعروف هو الذي يعرفه الناس في حالهما نوعًا وقدرًا وصفة وهو يتنوع بتنوع حالهما من اليسار والإعسار، والزمان كالشتاء والصيف والليل والنهار، والمكان فيضعهما في كل بلد مما هو عادة أهل البلد وهو العرف بينهم وكذلك ما يجب عليه من المتعة والعشرة، فعليه أن يبيت عندها ويمسها بالمعروف، وكل هذا يختلف بحاله وحالها، كذلك النفقة تقدر بالمعروف فتنوع بتنوع حال الزوجين عند جمهور المسلمين وقد قال بعضهم هي مقدرة بالشرع نوهًا وقدرًا مدًّا من حنطة أو مدًّا ونصفًا، أو مدين قياسا على الإطعام والواجب في الكفارة على أصل القياس والصواب المقطوع به ما عليه الأمة علمًا وعملًا قديمًا وحديثًا. فإن القرآن قد دل على ذلك وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهند امرأة أبي سفيان، لما قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف فأمرها أن تأخذ بالمعروف ولم يقدر لها نوعًا ولا قدرًا)) ، ولو تقدر ذلك بشرع أو غيره لبين لها القدر والنوع، كما بين فرائض الزكاة والديات. وفي صحيح مسلم ,عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته العظيمة بعرفات: ((لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) وكل ذلك يرجع للعرف والعادة، فإذا كان عادتهم أكل التمر والشعير أعطاها ذلك وإن كان أكل الخبز والإيدام أعطاها ذلك، وإن كان يطحن في الطاحون ويخبز في البيت، فعل ذلك، وإن كانت عادتهم يشتري الخبز من السوق فعل ذلك، كل ذلك على ما هو معروف عندهم، وكذلك القدر لا يتعين مقدار مطرد بل تتنوع حتى تتنوع المقادير- والمعروف فيما له ولها هو موجب العقد المطلق، فإن العقد المطلق يرجع في موجبه إلى العرف، كما يوجب العقد المطلق في البيع النقد المعروف فإن شرط أحدهما على صاحبه شرطًا لا يحرم حلالا ولا يحلل حرامًا فالمسلمون عند شروطهم إذ موجبات العقود تتلقى من اللفظ تارة ومن العرف تارية أخرى لكن كلاهما مقيد بما لم يحرمه الله ورسوله.

واللفظ في العرف والمعروف عام، يشمل كل معروف في الشرع وفي العادات والمعاملات، فلا بد من الاعتماد على العرف والاعتداد به إذا لم يكن هناك نص من الشارع، أما إذا كان هناك نص صار هو نفسه من جملة المعروف الذي هو ضد المجهول كما يكون بالضرورة من المعروف الذي هو ضد المنكر.

والعقائد والعبادات مرجعها إلى النصوص من الكتاب والسنة فلا يجوز بحال من الأحوال إحداث عبادة جديدة أو الإتيان بها على غير الوجه الذي كان أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولا ينفع في ذلك اجتهاد ولا قياس ولا إجماع من بعد الرسول وأصحابه، كما لا ينفع فيها علل ولا نظريات حيث أن الله قد أكمل الدين، وقال سبحانه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (١)


(١) سورة المائدة: الآية ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>